لن تجد «المعارضة»، وعلى الخصوص الوفاق، فرصة أفضل من هذه المتاحة حاليا لتقنع نفسها ومن يتبعها ويتابعها إنها مهمة وإنها أساس في العملية الانتخابية، من دونها لا قيمة للانتخابات ولا للديمقراطية، ومن دونها لا يمكن للبلاد أن تستقر وتتجاوز الحال التي صارت فيها. فإذا أضيف إلى هذا وصول التعليمات من الخارج والتي ملخصها «الرجاء الالتزام بالموقف المبدئي والإصرار على المطالب.. لا مشاركة في الانتخابات دون أن تتحقق المطالب»، فهذا يعني أن التصريحات عن دراسة خيارات المشاركة هي فقط للقول إنها هي من تتحكم في المشهد الانتخابي وليس غيرها، وإن على الحكومة لو أرادت أن تحظى بـ «شرف مشاركتها» في الانتخابات المقررة في 30 نوفمبر المقبل أن توافق على كل المطالب التي رفضتها من قبل وأن تستجيب من دون مناقشة لكل طلب طارئ وغير متوقع!
ما أراه هو أن «المعارضة»، والوفاق تحديداً، ستشارك في الانتخابات بأحد طريقين؛ مباشر «وهذا هو الأغلب» عبر الإعلان رسمياً عن المشاركة كما فعلت في الفصلين التشريعيين الثاني والثالث، خصوصاً وأنها تشعر أنها على وشك أن تصير خارج اللعبة السياسية بسبب مواقفها وقراراتها المتعجلة مثل قرار انسحابها من مجلس 2010، أو بالوكالة عبر دعم من تثق فيهم ويكونون ممثليها في المجلس وإن لم يكونوا محسوبين عليها فيصيرون عيونها هناك ومنفذين لأجندتها.
دونما شك لم يكن مجلس النواب بعد الانتخابات التكميلية بالمستوى الذي كان عليه فترة وجود الوفاق فيه، فلم يكن فاعلاً ولم يكن مقنعاً، ولم يكن بين النواب التكميليين إلا القليل ممن لفت انتباه المتابعين لأداء المجلس. وجود «المعارضة» في مجلس النواب مهم، فهي سبب أساس في تحريك الأجواء داخله ومنع التورط في اتخاذ المجلس لقرارات تعبر عن وجهة نظر واحدة وكسب قرارات تصب في صالح المواطنين، إضافة إلى إبعاد الشكوك عن المجلس، فتركيبته الأخيرة توصل إلى الاعتقاد بأنه في يد الحكومة وأن أعضاءه مجرد بصامين وملبين لرغباتها، يقولون ما تقول ويفعلون ما تريد منهم أن يفعلوا، وإن لم يكن هذا صحيحاً أو دقيقاً.
عدم مشاركة «المعارضة» هذه المرة سيتولد عنه مجلس دون الطموح وأقل فاعلية، خصوصاً إن تمكن من الوصول إلى مقاعده من لا تاريخ سياسي لهم ولا خبرة حياتية ولا قدرة لديهم على التعبير عن مطالب وطموحات المواطنين وكان نجاحهم في الوصول رمية من غير رام. هذه حقيقة، و»المعارضة» تدركها جيداً، لذا فإنها تحاول قدر الإمكان أن تستفيد منها في تحقيق بعض المكاسب من خلال التصريحات التي يفهم منها تارة أنها ستشارك في الانتخابات وتارة أخرى أنها لن تشارك.
ومع أن هذا يدخل في صلب العمل السياسي ويعبر عن اكتساب الوفاق لتجارب أفضت بها أخيراً إلى إعمال فكرها بدل التسرع والقفز في الهواء، إلا أنه يؤثر سلباً على الحالة التي صارت فيها البلاد، فما تقوم به الوفاق حالياً يزيد الوضع توتراً ويعطي من لا يريد الخير للبحرين الفرصة للتدخل، كما إنه يزيد من تطرف البعض الذي اختار اللجوء إلى الخارج ومن إصراره على تنفيذ ما تمتلئ به رأسه من أفكار لا تلامس الواقع ولا تعبر عن الناس في الداخل.
لا بأس أن تستفيد «المعارضة» من حالة الاقتناع العام بأهمية وضرورة مشاركتها في الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة، ولكن عليها ألا تبالغ فتكون سبباً في زيادة تعقيد الوضع ثم تصير خارج اللعبة، ذلك أن تأثير «المعارضة» هو في وجودها تحت قبة البرلمان وليس خارجه.
المفروض أن «المعارضة» وصلت الآن إلى هذه القناعة لأنها في السنوات الثلاث الأخيرة كانت كمن لا وجود له.