تعبنا ونحن نقول بأن هذا الوقت جدي وحرج وحساس، وعليه فإن الحاجة إلى أشخاص «جادين» أكثر مما هي عليه في السابق.
التغيير والتطوير والإصلاح، كلها شعارات جميلة ولها صوت رنان وبريق رائع، لكن أفكارها تظل على الورق طالما أن «الأدوات» معوقة وغير مؤهلة، والأدهى إن كانت هذه الأدوات غير مؤمنة بهذه الشعارات، قبل أن تكون تعمل انطلاقاً منها.
للأسف، ابتليت مجتمعاتنا بنوعية من المسؤولين (بتباين مواقعهم وتراتبيتهم) همهم الأول والأخير لا العمل على خدمة المجتمع والمواطن (وهو الهدف الأسمى يفترض) بل الهم يتركز على الذات ولا شيء آخر.
هناك بعض يعمل على تعزيز مكانه وتثبيت موقعه بالكرسي (والله لو تأتى لهؤلاء أن يلصقوا أنفسهم بالغراء فيها لفعلوا)، ولفعل ذلك يلجؤون لصناعة «حاشية» لا «بطانة»، الفكرة في إيجاد أتباع يلهجون بالثناء وينشرون التمجيد على أوسع نطاق، حتى إن جاء وقت طغت فيه الأخطاء وبرزت فيه «البلاوي» يكون هناك في المقابل كلام انتشر وتداول يناقض التأكيد بالأفعال أن حضرة المسؤول ليس كفاءة ولا مستحقاً لموقعه بناء على عمله البعيد جداً عن تحقيق الأهداف المنشودة.
بعضهم «يموت» في «الشو»، يعشق صوره لا تلك المنعكسة في المرآة، بل في الجرائد ووسائل الإعلام، يستميت ليكون له حضور إعلامي بكلمة أو بحرف، أهم شيء يطلع في الصورة ويكون حاضراً إعلامياً! طيب ماذا عن حضورك على أرض الواقع؟!
هناك مسؤولون اهتمامهم بالصحف أكبر وأعظم من اهتمامهم بقطاعهم والمتعاملين معه من عملاء (مواطنين) يفترض أنهم هم من يمنحون هذا المسؤول أو ذاك صك الرضا وتستتبعه الإشادة على الأداء.
أستغرب كثيراً حينما يذكر اسم مسؤول أو اثنين سابقين في مواقع قيادية بالدولة ويقابل ذلك ذكر لهم بالخير من قبل الناس، وبعض الناس لا يتورع عن القول بالجزم بأن الدولة خسرت جهوداً وكفاءات حينما أبدلتهم بمن هو أقل منهم كفاءة وجهداً في العمل.
المجتمع رغم صغره، إلا أن أفراده ليس استغفالهم سهلاً، وباتت كثير من حركات «الشو» مكشوفة، بل نعرف بعض الناس تحول إلى ما يشبه المكتبة التأريخية، يوثق كثيراً من التصاريح المتضمنة وعوداً أو تلك التي تتحدث عن مشاريع، ويأخذ في متابعة تنفيذها، والغريب أن نسبة كبيرة منها -أي تلكم التصريحات- هي فقط كلام على ورق، وتصريح ينشر في الصحافة مع صورة سعادة المسؤول.
تريدون إنجازات على الورق؟! هناك كثير ممن لعبتهم «الشو» والظهور في الإعلام و«رز» الوجه! لكن إن كنتم تريدون عملاً صادقاً مخلصاً له إنتاجية يمكن أن تقاس وتقيم ويؤخذ انطباع الناس بشأنها، فإن القادرين على فعل ذلك كثر وموجودون، لكن أغلبهم ليسوا ممن يقدمون أنفسهم ويروجون لها، على الدولة أن تبحث عنهم مثلما يبحث كاشفو المواهب في الأندية عن المبدعين والموهوبين ليقووا فرقهم بهم.
صحفنا للأسف باتت مرتعاً لكثير من المسؤولين يمارسون فيها «الشو»، إعلامنا الرسمي حتى رحيم بهم يأخذ أغلب كلامهم (كان مهماً أو خالياً من القيمة) وينشره ويستعرضه، في حين لو قاموا بتفنيد هذا الكلام ومقابلته بالأسئلة الاستيضاحية خاصة تلكم التي من نمط «كيف ستطبقون هذا المشروع؟!» و«كيف ستنفذون هذه الوعود؟!» و«ما هو المدى الزمني لتحقيق ذلك؟!»، لكنا بالفعل أسسنا لثقافة «احتراس» من إلقاء الكلام جزافاً لدى كل مسؤول، ولبرز لنا الغث من السمين.
عموماً، الصحافة تظل جهة كاشفة لكل مسؤول يعشق ممارسة «الشو»، ويبقى الناس في النهاية هم أصحاب التقييم الأهم كونهم هم المستهدفون من عمل المسؤولين في كافة القطاعات، وهم القادرون على القول بأن هذا المسؤول كفاءة وصادق أو أنه يمارس الكذب ويحاول التجمل بأشياء لا وجود لها على أرض الواقع.
الدولة لا تتطور بـ«الشو»، الدولة تتطور بالفعل، والفعل الجاد فقط. وما أحوجنا لـ«الجادين» في هذا الزمن التي اهترأت فيه المبادئ.