من أطرف ما قرأه الناس هنا في الأيام القليلة الماضية الرأي الذي اهتم بعض المحسوبين على «المعارضة» في الداخل والخارج بنشره على نطاق واسع، وكأنه رسالة إلى كل منتمٍ إلى «المعارضة» وإلى جمعية الوفاق بشكل خاص، وملخصه أن تأجيل محاكمة جمعية الوفاق في الدعوة المرفوعة ضدها من وزارة العدل هو للضغط عليها كي تشارك في الانتخابات المقبلة، وأن هذا يعني أن على الوفاق أن تنتبه إلى أنه في حالة اتخاذها قراراً بعدم المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية فإن مصيرها هو الشطب من سجل الجمعيات السياسية، أما إذا غلبت العقل وشاركت فسيتم شطب القضية!
ربط الأمور والتطورات ببعضها البعض يمكن أن يوصل إلى هكذا استنتاج، خصوصاً أن عدم التأجيل يعني صدور حكم قد يكون سالباً فتجد الوفاق ومن يتشدد لها الحجة لعدم المشاركة.
يمكن أن يكون هذا صحيحاً في حالة واحدة فقط، وهي أن الدولة تستجدي الوفاق كي تشارك، وهذا أمر لا يمكن أبداً، فقد كان قرار الدولة واضحاً وهو أن الانتخابات ستعقد في موعدها، وأن الباب مفتوح للجميع للمشاركة فيها وعدم التفريط في هذا الاستحقاق، وبالتالي فإن المشاركة أو عدم المشاركة هو قرار الشخص نفسه والجمعية نفسها، فالمركب سيشق العباب في كل الأحوال.
ما ساعد على الوصول إلى مثل هذا الاستنتاج البعيد عن الواقع هو أن «المعارضة» وتحديداً الوفاق اهتمت في الفترة القريبة الماضية بنشر معلومة مفادها أن الدولة تمارس عليها ضغوطاً شديدة كي تشارك في الانتخابات، ومعلومة أخرى مفادها أنه في حالة عدم مشاركة الوفاق فإن أمريكا والدول الأوروبية ستتخذ موقفاً من مملكة البحرين! لم يبقَ إلا أن تقول إن العالم سيوقع على البحرين عقوبات اقتصادية إن لم تتمكن من إقناع الوفاق بالمشاركة في الانتخابات والفوز فيها بالأغلبية المطلقة!
هذا النوع من التفكير لا يفيد هذه الجمعية بل يضرها، فأعضاؤها ومناصروها سيعتقدون أنها من الأهمية بمكان بحيث تؤثر بشدة في «ميزان القوى» وأن الأمور لا يمكن أن تسير من دونها، ثم يكتشفون بعد قليل أن الوفاق لا تأثير لها ولا أهمية بدليل أن الانتخابات عقدت من دونها وأن ذلك لم يغير شيئاً في المعادلة، فتصغر في عيونهم وتخسرهم.
عدم مشاركة الوفاق أو غير الوفاق في الانتخابات لا يحرج الدولة لأن الدولة فتحت باب المشاركة للجميع، والعالم سيتوصل إلى قناعة بأن من قرر عدم المشاركة إنما يفرط في حقه وأنه يريد أن يخرب هذا العرس ويسعى إلى الإساءة إلى الدولة التي أعطته كل حقوقه وهيأت له الأجواء المناسبة للمشاركة. فالرفض هنا ليس في صالح «المعارضة» ويوفر كل الأسباب التي تفضي إلى اقتناع المؤسسات الدولية ذات العلاقة بأن لـ«المعارضة» أهدافاً أخرى لم تعلنها وأنها ليست ملك نفسها.
مشاركة الجميع في الانتخابات أمر مهم وطيب، ووجود «المعارضة» في مجلس النواب ينشطه ويعين على تحقيق مكاسب للشعب، هذه حقائق لا يمكن لأحد أن ينكرها، لكن هذا لا يعني أن الأمور لن تسير بعدم مشاركتها وأن المجلس من دون «المعارضة» لن يحقق مكاسب للناس ولن يتمكن من ممارسة دوره في التشريع وفي الرقابة، ففي البحرين من القدرات والطاقات ما يمكن أن تنتج مجلساً نيابياً أكثر رقياً وتطوراً إن أحسن الناخبون الاختيار ولم ينساقوا لعواطفهم أو لضغوطات هنا أو هناك.
لا علاقة بتأجيل محاكمة الوفاق بمشاركتها في الانتخابات، وليس صحيحاً أبداً أن وزارة العدل خططت و«تكتكت» بإيعاز من الدولة كي يتم إرغام جمعيات «المعارضة»، خصوصاً الوفاق على المشاركة في الانتخابات وإلا تم شطبها، فهذا موجود فقط في خيال الوفاق