راهنت جماعات المعارضة في البحرين على مقاطعة استثنائية للانتخابات النيابية والبلدية. توقعت أن يقر المواطنون في منازلهم إما طوعاً لتوجيهات الرموز وفتاوى المرجعيات، وإمّا كرهاً نتيجة خروج عناصر تخريبية في القرى أغلقت الطرق وأحرقت الممتلكات وأرهبت الشارع. لكن الذي حدث كان إقبالاً استثنائياً على التصويت يستحق وقفة تأمل لمصير المعارضة التي تخسر حضورها يوماً بعد يوم.
لم تصفّر أي من مراكز الاقتراع، هذا ما كانت تتمناه المعارضة للمناطق التي تقبع في بطن القرى في المحافظة الشمالية وفي بعض المناطق المتفرقة التي تقع تحت تأثير المعارضة، مثل سترة وغيرها. لم يغلق الناس أبوابهم على منازلهم ولم يتمترسوا بها، كما وجهت قيادات بعض الجمعيات مريديها، الكثيرون خرجوا إلى مركز اقتراع الدائرة الانتخابية أو أقرب مركز اقتراع عام. شيء آخر استحث بعض من كانوا يستثقلون الخروج للتصويت، ممن لم يجدوا في العديد من المرشحين خياراً أفضل، ودفعهم للإدلاء بأصواتهم، إنه رفض أن يكونوا (ضمنياً) من أتباع الشيخ علي سلمان وأن يكونوا دون قصد أحد الذين يتحركون رهن إشارة من إصبعه، فهو من تزعم بنفسه حملات المقاطعة. جزء كبير من الشارع استفزته الحملات المقاطعة المتغطرسة والسمجة.
شهدت مراكز الاقتراع العامة إقبالاً من الناخبين فاق إمكاناتها وقدرتها الاستيعابية، وقف الناس في الصباح الباكر ساعات طويلة في طوابير كثيفة ينتظرون دورهم في التصويت. نفدت البطاقات الانتخابية، وامتلأت بعض الصناديق عند الظهيرة، وظلت المراكز العامة ممتلئة حتى وقت متأخر. أحد الأسباب المفسرة لحالة الازدحام هذه أن سكان المناطق الشمالية والمناطق (الساخنة أمنياً) قد نزحوا إلى المراكز العامة للإدلاء بأصواتهم فيها بدل مراكز دوائرهم التي شهدت بالفعل أعمال شغب وترهيب ومواجهات أمنية، تلك حالة تمرد علني لم تحسب لها المقاطعة الحساب السياسي المحنك الذي يدرس كل الاحتمالات والتوقعات.
حملات المقاطعة الشرسة التي استخدمت فيها المنابر الدينية وفتاوى كبار المرجعيات، وامتزج خطابها بدم الشهداء والوفاء لنضال المعارضة، قوبل بطلبات ترشيح مواطنين من الطائفة الشيعية في المناطق المعارضة وإقبال على التصويت. هذه مؤشرات أن الشارع بدأ يتفلت من يد المعارضة وأن الوسائل التقليدية التي كانت المعارضة تطبق بها على الشارع بدأت تفقد مفعولها. وأمام كل ذلك لم تتمكن المعارضة من تقديم أي شيء للشارع سوى أعمال العنف والتخريب والخطابات النارية المناهضة للسلطة والحكم. والمواطنون ينتظرون إصلاحات في خدمات التعليم والصحة ورفع للرواتب. ولا يعنيهم أن تصل الجمعيات المحافظة أو اليسارية أو المستقلين أو غيرهم.. المواطنون ينتظرون من يقوم على أمرهم ويخدمهم. وذلك ما عجزت عنه المعارضة ولم تف لمواطنيها بأي شيء منه.
وقفة مراجعة يتعين أن تقوم بها جمعيات المعارضة ورموز الحراك في الشارع، وأن تسائل نفسها وتسائلها جماهيرها ماذا قدمت تلك الجمعيات وتلك الشخصيات العنترية للوطن؟ ماذا استفاد المواطنون من كل ذاك الحراك؟ وإلى أين ستسير سفينة المعارضة.
وإلى حين تجد المعارضة فرصة للوقوف مع الذات نكون نحن على موعد آخر مع التصويت في جولات الإعادة يوم السبت القادم.