قد يكون كثير من المخلصين استاؤوا من التصريحات الصادرة من وزارة الخارجية الأمريكية بشأن انتخابات البحرين، وتقديم واشنطن تهنئة مدسوس السم فيها، تحاول من خلالها خلق موطئ قدم للجمعيات الانقلابية في السنوات الأربع القادمة، كـ «ترقيع» لفشل الوفاق ومن تبعها إثر قرارهم البقاء في الشارع لا الدخول للبرلمان.
أقول إن كثيرين قد استاؤوا من التصريحات الأمريكية، في المقابل هناك من الانقلابيين وكارهي هذا البلد من رقصوا رقصاً وردحوا ردحاً لهاتين الكلمتين الصادرتين، وكأن إرادة البحرين كدولة وشعب قائمة على سطر أو جملة يقولها مسؤول أمريكي دولته لا تجرؤ على تطبيق حرف مما يقوله داخلها. إذ التاريخ يشهد أن أمريكا لم تحاور إرهابياً بل لم تمنحه حتى فرصة للكلام دفاعاً عن نفسه.
عموماً، شخصياً كنت سأستغرب إن أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً تشيد فيه بنجاح الانتخابات دون الانتقاص من قدرها، ودون الإشارة للجمعيات المحرضة الداعمة للإرهاب الداعية لإلغاء القانون، والتي دعت قبل ثلاث سنوات لسقوط النظام. نعم كنا سنستغرب، إذ أن هذه الإشادة المجردة ستكون أصلاً إقراراً بفشل المساعي الأمريكية في البحرين، وستكون الطعنة الأخيرة في ظهر علي سلمان وجماعته. أمريكا لن تشيد بأي نجاح تحققه البحرين، هذه حقيقة ثابتة، أوتظنون أصلاً أن البيت الأبيض يهمه استقرار البلدان العربية والخليجية بالأخص؟! لا، طبعاً، والعراق حاله واضح، كذلك اليمن ومصر وغيرها من دول رأت في مشاكلها الإدارات الأمريكية المتعاقبة استثماراً للنفوذ والمال والقوة، وبالتالي من ينتظر مباركة ممن تعمل سفارته في بلادنا ضدنا، فهو واهم تماماً.
واشنطن ليست بريطانيا، وليست من دول الاتحاد الأوروبي، وليست روسيا أو الصين، واشنطن لعبتها أكبر، تورطها في شأننا الداخلي أعمق، وما فعلته أخطر بكثير.
كيف تريدون لواشنطن أن تعترف بالنجاح لتبصم على فشل الوفاق؟! كيف تريدونها أن تعترف بأن الوفاق ومن معها هم من أفشلوا الحوار؟! كيف تريدون لها أن تعترف بأن الوفاق ما هي إلا كاذبة حينما تروج أنها الممسكة بزمام الشارع وأنها تتحدث باسم الأغلبية؟! كيف تريدون لواشنطن أن تعترف بفشل ذريع لـ «منتج صنعته» وصرفت عليه الأموال؟!
هذه هي الحقيقة التي يعرفها للأسف كثير من المسؤولين لكن دون إجراء حازم يتخذ. يعرفون تماماً ما لعبته الأطقم السابقة في السفارات الأمريكية بهذا الخصوص، ووثائق «الويكيليكس» تشهد، ويعرفون تماماً الأدوار المشبوهة التي لعبها السفير الحالي الذي بدت خيبة الأمل على وجهه واضحة وهو يتابع عملية التصويت والمشاركة الكبيرة في الانتخابات، يعرفون قربه من الانقلابيين، يعرفون توجيهاته لهم، يعرفون محاولات تدخلاته، ولا أدري إن كانوا يعرفون مساعيه لتجنيد شباب بحرينيين، منهم من دعي لحفلات عشاء هنا وهناك. أصحاب البدلات في الوفاق، أو «التكنوقراط» كما يسمونهم «زيفاً» لأنهم في النهاية ولائيين حتى النخاع لإرادة رجل واحد، هؤلاء هم صناعة أمريكية بحتة، هؤلاء خريجو برامج صناعة «قادة التغيير داخل المجتمعات» التي تمولها وزارة الخارجية الأمريكية عبر مؤسسات متناثرة هنا وهناك، برامج مر بها الكثيرون وبعضهم تعب الأمريكان عليهم لتأهيلهم أبرزهم الوفاقي القابع الآن هناك لديهم في الولايات المتحدة فور فشل محاولة الانقلاب. وبالتالي ما ينتظر منهم هو بالفعل ما صدر عنهم، محاولة لفتح باب جديد للوفاق تدخل منه، محاولة للانتقاص من الحوارات العديدة التي تمت وأفشلتها الوفاق بتعنتها الناجم عن «تيه» صريح واضح بين المرشد الإيراني وبين المرشد الأمريكي، ما يحاولون فعله هو انتشال الوفاق من الشارع لأربعة أعوام قادمة وإقحامها مجدداً في المشهد.
التصريح أصلاً بدايته كذب صريح حينما قال إن الانتخابات شهدت عدم مشاركة «كل الجمعيات»، في إلغاء صريح للجمعيات السياسية الأخرى التي لم ترتبط بها السفارة الأمريكية هنا في البحرين بتربيطات التخطيط والتنظيم والدعم، هذه كذبة يتوجب تصحيحها والاعتذار عنها.
أما الانتقاص من شأن الانتخابات وعدم امتلاك شجاعة الاعتراف بأنهم يدعمون جمعيات طائفية محرضة وتبارك الإرهاب، فهو يؤكد أنه طالما البحرين بخير فإن الأمريكان لن تكون مخططاتهم بخير.
القوة والحزم والدفاع بقوة عن هيبة الدولة وسيادتها هو ما نطالب به منذ أكثر من ثلاثة سنوات. نحترم الأشقاء والأصدقاء طالما هم احترموا خصوصياتنا وشؤوننا الداخلية وننأى عن التدخل فيها، مثلما تنأى البحرين بنفسها عن التدخل في شؤونها. أي مسؤول أمريكي يحاول التفلسف علينا في بلادنا يفترض أن يكون الرد عليه في جملة بسيطة جداً وبابتسامة عريضة وبنبرة هادئة «مايند يور أون بيزنس» أي اهتم بالشؤون الخاصة. لا نريد صكاً من أحد في البحرين على المضي في حياتنا وفي مشروعنا الإصلاحي، من أشادوا نحترمهم لقولهم كلمة حق وعدالة قائمة على الإنصاف والحيادية والواقعية، فليس نظام البحرين هو الممارس للتحريض والإرهاب والمستخدم لسلاح الطائفية، ليس نظام البحرين وغالبية مكونات المجتمع هم من يعطلون أية إصلاحات ويحرقون الإطارات ويرمون المولوتوف ويهاجمون الشرطة ويخطبون متحدين القانون ويقولون إنه تحت أقدامهم.
والله لو كانت الوفاق جمعية في أمريكا وقامت بمثل ما تقوم به هنا، لما حاوروهم ولما ناقشوهم ولما حاولوا معهم لثلاث سنوات، والله لكانوا في جوانتانامو بلا محاكمات ولا حقوق إنسان ولا حريات. معذورون الأمريكان راهنوا مجدداً على حصان خاسر، حصان «فارسي» حاولوا إعادة تصنيعه متناسين أن هذا الحصان لا ينجح أبداً في أرض عربية.