ما جرى أخيراً يعتبر سقوطاً للوفاق؛ فقد راهنت هذه الجمعية على فشل الانتخابات وفشل رهانها، وراهنت على المقاطعة فقوطعت ممن ظلت تعتبرهم محسوبين عليها وتابعين لها. قالت إن الانتخابات ستفشل ووظفت كل قدراتها الإعلامية في الداخل والخارج؛ فردحت ليلاً ونهاراً لتعينها على هذا القول، لكن النتائج جاءت مخيبة لآمالها، فقد نجحت الانتخابات وشهد العالم كله كيف أن الإقبال عليها كان كبيراً إلى حد أن تم تمديد الوقت المحدد ساعتين ليتمكن من لم يسعفه الوقت لممارسة حقه، وقالت إن من تعتبرهم أعضاءها غصباً عنهم باعتبارهم ينتمون إلى المذهب نفسه الذي تنتمي إليه سيقاطعون الانتخابات فلم يستجيبوا لها، فقد كان نحو نصف المترشحين للمجلسين النيابي والبلدي منهم، بينما لجأ الناخبون إلى اللجان العامة كي يفلتوا من عيون الوفاق وأذاها ومارسوا حقهم غصباً عنها.
أحدهم قال لي؛ لو أن كل مترشح للانتخابات ممن تعتبرهم الوفاق تابعين لها كان لديه خمسون صوتاً فقط فإن هذا يعني أن عشرة آلاف شخص على الأقل خالفوا الوفاق وتمردوا عليها، وأن في هذا سقوط لهذه الجمعية التي لاتزال تعتقد أنها قادرة على التحكم في الشارع والتأثير فيه.
ورغم كل هذا لاتزال الوفاق تردد أن الانتخابات كانت باهتة وفاشلة ولم يشارك فيها أحد! ولاتزال ماكينتها الإعلامية تروج ضد الدولة وضد من شارك في الانتخابات ومن وصل من المترشحين إلى البرلمان، وتطرح ما يحلو لها من أرقام وتوجه ما يريحها من اتهامات بغية التشكيك في الانتخابات ونزاهة المسؤولين عنها والمشرفين عليها.
ما لم تنتبه له هذه الجمعية هو أن تلفزيون البحرين كان يبث على الهواء مباشرة وينقل كل ما يدور في المراكز الانتخابية، فيرى كل ذي بصر كيف هو الإقبال على الانتخابات، وكيف أن الأمور تسير بسلاسة وبنظام، وكيف أن الناخبين كانوا يتحركون في أجواء آمنة، ويرون كيف أن الدولة سخرت كل إمكاناتها لتبين للعالم أجمع ما يعينه على مراجعة نفسه والتدقيق في ما يصله من «المعارضة» ويقارن بين الادعاء والفعل؛ ادعاء الوفاق وفعل الحكومة.
ما يزيد من وجع الوفاق البيان الذي أصدره السفير البريطاني لدى المملكة إيان لينزي الأحد الماضي وقال فيه «إنه من المحبط مقاطعة المعارضة للانتخابات» وأنه «على الرغم من التقارير المقلقة حول عمليات الترهيب للناخبين والمرشحين إلا أن نسبة المشاركة جاءت مشجعة»، وعبر عن أمنيات المملكة المتحدة للبرلمان الجديد كل النجاح. السفير البريطاني رحب بإجراء الانتخابات وأثنى على المشاركة الواسعة لمرشحين مختلفين وبانتخاب عدد من النساء، وهي رسالة واضحة للوفاق ملخصها أنك لم تقرئي الساحة جيداً وكان رهانك خاسراً.
بيان السفير البريطاني ليس إلا نموذجاً لما يقوله كل متابع للتطورات في البحرين وكل من تصله محاولات الوفاق ومن معها بغية الإساءة إلى الاستحقاق الانتخابي، فالكل قال وسيقول لها إنك مخطئة فترشدي.
كان الأولى بدل كل هذا الجهد والمال الذي صرفته الوفاق ومن يعينها من أجل تخريب الانتخابات وإفشالها أن توظفهما في إنجاح هذا الاستحقاق وفي خدمة المواطنين الذين ترفع شعار العمل من أجلهم ومن أجل مستقبلهم، لا أن تراهن على فشل الانتخابات وتغامر بسمعتها وبقدراتها وتظهر نفسها أمام العالم كله أنها دون القدرة على العمل في السياسة.
ما حدث للوفاق في انتخابات 2014 لا تسمية له غير السقوط، بل هو السقوط المدوي، سقوط يصعب أن تنهض بعده أو «تترقع»، فعندما تراهن جمعية سياسية تعتبر نفسها كــــل «المعارضــة» علــى فشــل الانتخابـــات وتوظف كل طاقاتها وإمكاناتها لمقاطعتها وإفشالها وتأتي النتيجة في غير صالحها فهذا يعني أنها سقطت «من الزين».