لم تعد فلسطين شاغلة العرب بالمطلق، ولم تعد الأخبار التي تتعلق بالقدس وبيت المقدس تشغل بالهم، حتى أصبح ترتيب فلسطين في نشرات الأخبار العربية في ذيلها، وهذا يعطينا مؤشراً واضحاً بأن القضية الفلسطينية في الضمير العربي ألغيت وأصبحت في خبر كان.
إن الكيان الصهيوني الغاصب أذكى من العرب المنشغلين بأنفسهم أكثر من الانشغال بقضيتهم الأم، ولهذا استغلت إسرائيل هذه المرحلة المنفلتة من تاريخ العروبة وما يعيشهُ أبناء الوطن العربي وأوطانهم من فراغ سياسي مخيف، حتى عاثت فساداً في القدس المحتلة، من دون أن يلتفت العرب إلى قبلتهم الأولى، ولو بنظرة عطف أو رحمة!
لم تعد الجرائم الصهيونية خافية على العالم إلا على العرب، فهم مشغولون بذبح بعضهم البعض، وتدمير أوطانهم وتخريب عواصمهم العربية، وحرق آبار نفطهم في مشهد مرعب لم يحدث من قبل، ولهذا أصبحت القضية الفلسطينية في وعيهم ومدركاتهم اليومية كأي ذكرى من التاريخ، بينما التفتت بعض شعوب العالم المتحضر لجرائم الصهاينة وكشفت حقائقها بين ركام الأخبار والقضايا العالمية.
لقد أصبحت رغبة الصهيونية في تنفيذ مشاريعها الخبيثة أكثر إلحاحاً وصراحة من ذي قبل، فلا شيء يعيقها أو يوقفها، فالعرب غير مكترثين بفلسطين، ولربما لا يعرفون ما يجري فيها من أهوال أو مستجدات أو أخبار.
بدأت المشاريع الصهيونية تتحرك على أرض الواقع، وبدأت إسرائيل بتنفيذ خطتها الجهنمية في تهويد القدس المحتلة وتهجير أهلها وتفريغها من سكانها الأصليين، وبدأت مرحلة القتل المتعمد للشباب الفلسطيني المقاوم وتصفية حساباتها معهم، إضافة لاستماتها في تخريب هوية المسجد الأقصى وتدنيسه ومنع المصلين العرب من دخوله. هذه وغيرها من القضايا الخطيرة التي تقوم بتنفيذها الحكومة الصهيونية في هذه الأيام لم تعد تشغل بالنا، ولم تعد تتصدر نشرات أخبارنا، فيكفينا متابعة مسلسلات القتل والإرهاب والعنف والعنف المضاد في وطننا العربي، أو في كثير من الأحيان نحاول الانشغال ببرامج مسلية وتافهة، ربما تلهينا عن فلسطين!
الآن بدأت المضايقات الإسرائيلية تنهمر على رؤوس سكان بيت المقــــدس، واحتجـــزت القــــــوات الأمنية الصهيونية الكثير من الشباب المقدسي كرهائن، إضافة للاغتيـــالات الممنهجــــة لبعـــض الشخصيات الفاعلة، مستفيدة من الوضع القلق داخل الوطن العربي، ناهيك عن استغلالها الوقح وغير الأخلاقي للخلافات الفلسطينية الفلسطينية الحادة بين أبناء الفصائل نفسها، فكان لها ما تريد.
إن لم يكن وقت للعرب للانشغال بقضيتهم المصيرية «فلسطين» فأضعف الإيمان هو أن تقوم الجهات الإعلامية العربية الرسمية بتغطية أخبار القدس المحتلة ولو من باب المجاملة أو المزاح الثقيل، أو أن تتصدر عناوين صحفهم بعض الألم الفلسطيني قبل معرفة أخبار اللاعبين والراقصات، قبل أن يأتي اليوم الذي سنكون فيه شركاء مع الإسرائيليين في طمس هوية بيت المقدس وتهويد أرض الأنبياء، فالتاريخ لن يرحمكم.