لسنا نقول شيئاً جديداً هنا؛ فالناس باتت على درجة من الوعي لتعرف تفاصيل ودقائق الأمور، لكننا وللأسف بات يعترينا الشك إن كان بعض المسؤولين المؤثرين في صناعة القرار الرسمي يعرفون ما يجب أن يعرف لأجل مصلحة الوطن وأهله.
لنفك الطلاسم هنا لدى بعض هؤلاء المسؤولين ونقول لهم بأن الأمور كلها تبنى على معادلات، هناك معادلة عكسية وأخرى طردية، والمفاهيم سهلة (أو هكذا نتوسمها فيهم كمسؤولين)، إذ حينما يحصل الناس على ما هو عكس مطالبهم فإنه من الطبيعي جداً أن تكون لديهم ردة فعل معاكسة بل قاسية إزاء نفس الآلية إن عرضت عليهم، وهكذا. في حين المعادلة الطردية قائمة على استفادة الناس من الآلية وبالتالي سيدعمونها ويعززونها.
اليوم حينما نقول للناس بأن المشاركة في الانتخابات والتصويت واجب وطني، قد يتوجه الكثير لصناديق الاقتراع باعتبار أن على الضفة الأخرى تقف مجموعة تعمل ضد البلد وتريد تشويه صورتها، خاصة بعد فشل محاولتها الانتخابية، بالتالي فإن التصويت اليوم قد لا يعكس وجهة نظر المواطن الذي اعتبر أن البرلمان طوال 12 عاماً لم يلب طموحاته، لكنه سيكون ضد من يريد الإضرار بالبلد ويدعو لتصفير الصناديق، والحقيقة المرة -بالنسبة للانقلابيين- بأنهم هم من سيسجلون «يصفرون» ويصرخون طوال أربع سنوات وهم جالسون في الشارع.
لكن الفكرة هنا، بأن المشاركة المثلى هي تلك التي تبنى على قناعة، واليوم الواقع يقول بأنك لو تسأل أي مواطن أي مواطن عن رأيه في البرلمان ستجد الانتقادات تنزل بشدة مثل حبات المطر، وهنا نبحث بالضرورة عن الخلل.
وبمناسبة الحديث عن الخلل، كلنا يعرف بأن الأداء السيئ لكثير من النواب كان أحد أهم الأسباب، ابتعادهم عن الناس، انقلابهم على شعاراتهم ووعودهم، وقفتهم السلبية والعاجزة في تحقيق مطالب الناس، كلها أمور خلقت هذا الانطباع السلبي.
لكن ليس النواب وحدهم يتحملون المسؤولية، الدولة أيضاً تتحمل جزءاً، ولعل استسلام النواب وانهزامهم أمام أية مبررات يسوقها أي وزير بشأن أي مقترح يفيد الناس خاصة ذريعة «عجز الميزانية» و»العجز الاكتواري» هي مسببات أيضاً.
الدولة كان عليها الحفاظ على شكل البرلمان الذي يعد أساساً أحد أبرز مقومات الإصلاح الديمقراطي، وهذا التعزيز كان بتقويته ومنحه الأفضلية في تحقيق مطالب الناس، كان يفترض بأن يزيد التعاون وأن يتم وقف مماطلة بعض الوزراء والجهات التي كان يبدو أن همها الأول والأخير عدم صرف الأموال على ما يحقق مصلحة الناس، وعدم محاربة الاستهتار المالي والفساد الإداري.
هذا واقع، نعرف أنه مؤلم، ونعرف تماماً أنه سيزعج المسؤولين في الدولة، لكن الأهم هنا بأن الإزعاج الأكبر بأن يكون لدينا برلمان لا يقوى على تحقيق تطلعات المواطنين، ولا يمكنه الصمود أمام الصد الذي يأتيه أو عدم التجاوب والتعاطي الرسمي من المشروعات والمقترحات.
بالتالي من أضعف البرلمان؟! الإجابة بأن المسؤولية مشتركة، بين النواب والدولة، ولكننا نقول كان بالإمكان تحقيق الكثير والأهم تعزيز ثقة المواطن بمنبره الديمقراطي الذي يفترض بأنه ينقل صوته ويعبر عن همومه، عبر تحقيق بعض المطالب المؤثرة للناس.
نعود للمعادلات الطردية والعكسية ونقول؛ لو -على افتراض- تحققت أحد أهم مطالب الناس ونعني تلك المعنية بزيادة الرواتب زيادة مؤثرة، هل تظنون بأن ثقة المواطنين بالبرلمان ستكون بنفس المستوى الحالي؟!
بالتأكيد لا، أقلها سيقول الناس بأن البرلمان حقق لهم شيئاً مؤثراً. لكن حين يكون العكس يكون رد الفعل بالعكس.
فقط لو حقق البرلمان شيئاً وساعدته الدولة في تحقيق ذلك، لكان رأي الناس إيجابياً أكثر.