«الطائفة» لن تكون أبداً حاضنة للإنسان مهما منحت أعضاءها من مميزات، إلا أن الحاجة «للدولة» تبقى هي الأساس خاصة في ظل ما تشهده المجتمعات من صراعات ونزاعات أصبح فيها السقف أمنية ورغيف الخبز حلماً وبطانية الشتاء سراباً.حقيقة أدركها أهل الإحساء مبكراً وهم يرون أن فخاً كبيراً نصب لاستدراج «شيعة» المملكة العربية السعودية وجعلهم طعماً في منطقة الخليج العربي، فخاً نصبته الولايات المتحدة الأمريكية وإيران فبلعه العديد من شرائح الطائفة الشيعية في العديد من الدول العربية، وها هي اليوم تبحث عن حضن للدولة يحميها من الفوضى التي خلقتها بأيديها. في العراق في لبنان في سوريا في اليمن صفقت إيران للعواصم الأربعة التي سقطت في يد ميليشيات شيعية دعمتها وزودتها بالسلاح لكن سرعان ما تركت إيران تلك الميليشيات في مواجهة مصيرها بعد أن وجدت أنها لا تستطيع أن تستنسخ قاسم سليماني في كل تلك العواصم ليقوم بالدفاع عنها، حتى الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تصرخ على ربائبها من الحكومات الشيعية (أن يسترجلوا) ويدافعوا عن أنفسهم فلن تستطيع أن تدافع عنهم إلى الأبد! وماذا كانت تعتقد تلك الميليشيات، أن الوصول للسلطة يخلق دولة؟ كان الهدف هو خلق الفوضى التي ادعوا أنها خلاقة، عبر هدم الدولة، الفخ هو إضعاف مؤسساتها وإشغال قواتها الأمنية، الفخ هو خلخلة الدولة بكل وسيلة فلا سلطات ولا مؤسسات ولا قانون يعترف به ويلتزم به وهكذا تسقط الدول، وما الطوائف والأقليات إلا وسيلة لا أكثر ولا أقل، لقد نصبوا لهم الفخ فانجروا له بلا حساب لما بعده، باعوا الدولة من أجل الطائفة، حتى إذا ما فقدوها عادوا للبحث عنها بعد فوات الأوان، إنهم في العراق يبحثون عن الدولة الآن لا عن الطائفة، إنهم يبحثون عنها في لبنان في سوريا فلا يجدونها وفي اليمن فلا يجدونها، فقدوا الأمن وفقدوا الأمان يمسون ويصبحون على خراب وتفجير ودمار وتشريد.وها هي الولايات المتحدة التي استدرجتهم تطالب بالمليارات من أجل إعادة ما هدمته ومحاربة ما خلقته، وها هم أدواتها يدركون بعد فوات الأوان حجم الخدعة وفداحة الخطأ الذي ارتكبوه، لذلك فإن فطنة أهل الإحساء تحسب لهم، وفطنة المملكة العربية السعودية بسرعة الاحتواء تحسب لهم.فإن كان أهل الإحساء الذين لا يتمتعون بنصف ولا ربع ما يتمتع به أبناء الطائفة الشيعية في مملكة البحرين من حريات ومن حقوق مدنية وسياسية قد فطنوا للفخ مبكراً ورفض ابتلاع الطعم، فما عذر البحريني؟الدولة في البحرين بمؤسساتها بنظامها بدستورها كانت منذ عقود ملاذاً لشيعة المنطقة يأتون إليها من كل فج عميق أيام المحرم من كل عام ومازالوا، الدولة تحمي المآتم وتعمرها وتوفر لها كافة الخدمات وتعطي المنح والإجازات وتسخّر إمكانية المؤسسات الأمنية لتوفير الأمن لتلك المواكب وتلك الطقوس فيمارسها الشيعي ويعود لبيته آمناً مطمئناً تحفه الأجهزة الأمنية من كل صوب برجالها بآلياتها بمعداتها منذ عقود طويلة، فلا تسمح لأحد أن يتدخل أو يعيق أو يقيد ممارسة تلك العقائد حتى دعا شيعة البحرين الدولة إلى توظيف ما سموه بالسياحة الدينية في البحرين لكثرة أعداد أهل الخليج الذين يأتون للبحرين في أيام محرم، وما ذلك إلا لأن «الدولة» حمت ووفرت بيئة آمنة مطمئنة لجميع أبناء الطائفة، لا يأمن الشيعي على نفسه أثناء ممارسة طقوسه مثلما يأمن عليها في البحرين، حتى العراق ومدنها المقدسة عجزت عن حماية روادها.حتى أتت جماعة حزبية منذ ثلاثين عاماً قسمت البحرين إلى معسكرين يزيدي وحسيني وبلعت طعم الفوضى الخلاقة حين دغدغتها الوعود الأمريكية ودفعتها الأحلام الإيرانية، فسقطت في الفخ الذي استخدمها أداة لا أكثر ولا أقل، فعملت بمساعدة أجنبية على إسقاط الدولة وتسقيطها دولياً ومحلياً وعزلت شرائح كبيرة من الشيعة عن الدولة الأم، فأصبحت مؤسسات الدولة عدوة لها تستبيح دماء منتميها وأموالها وأملاكها وها هي اليوم بعد فشل المحاولة تتباكى على خسائرها.الدولة كانت وستبقى الحصن والقلعة التي تحمي الجماعات وتنظم علاقاتهم وإصلاح نظمها وتحسين أدائها لم ولن يكون عبر هدمها أبداً فبديلها الغابة لا الفوضى الخلاقة واسألوا من بلع الطعم.