وهم الطائفية لم يكن بالفعل وهماً، وهناك من حذر منها دول مجلس التعاون الخليجي قبل العام 2003، ولكن الحذر كان محل عدم اكتراث تماماً من قبل الحكومات الخليجية، ومن قبل شعوب دول المنطقة.
وبعد العام 2003 شاهدت الحكومات والشعوب الخليجية كيف تحول هذا الوهم إلى حقيقة، وباتت الطائفية وقواها السياسية في العراق تنتشر شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً حتى وصلنا إلى مرحلة الدولة الفاشلة في العراق التي تتصارع فيها قوى إقليمية وقوى دولية حتى هذا اليوم.
كان سوء التقدير واضحاً آنذاك، وقد يكون سوء التقدير أيضاً مستمراً حتى الآن لأن الوهم الذي كنا نعتقده وهماً وهو حقيقة تفاقم اليوم، وصار خطر الطائفية والتطرف السياسي المدعوم من القوى المناهضة لدول مجلس التعاون الخليجي وتحديداً إيران منتشراً بين أربع عواصم عربية ثلاث منها في الشمال، وواحدة أخرى في الجنوب، والمحاصر فيها دول المجلس.
آخر العواصم التي سقطت في وجه القوى الطائفية والمدعومة إيرانياً هي صنعاء التي باتت معقلاً للحوثيين، وباتت هذه القوى تنخر البلاد بعدما سيطرت على مفاصل الدولة. ولنتذكر قليلاً فإن القوى الحوثية التي كانت وهماً قبل سنوات تحولت الآن إلى حقيقة، وصارت القوة السياسية الفاعلة في الدولة اليمنية، وقريباً ستعمل على إسقاط النظام القائم برمته وليس جزئياً، وتلجأ إلى خيارات التقسيم، وتهديد دول الجوار.
مجموعة من الأوهام كانت سائدة سرعان ما تحولت إلى حقيقة، وتطورت إلى تهديدات. ولا يمكن أمام هذه التهديدات السكوت عنها، فمادام البعض منها في إرهاصاته لابد من إيقافه ووأده نهائياً من دون تخاذل، فاستمرار التهديدات في منطقة الشرق الأوسط، خلق بيئة غير ملائمة للاستقرار، وبيئة طاردة للاستقرار السياسي والأمني، وإذا لم تشعر حكومات المنطقة فإنها مشكلة حقيقية أن يتعرض الأمن الوطني والإقليمي لتهديدات ومخاطر، وتقف دول مجلس التعاون موقف المتفرج، وتنشغل بخلافاتها أكثر فأكثر مقابل مخاطر باتت أقرب لها أكثر من أي وقت مضى.
دول الخليج ليست بحاجة إلى مواقف سياسية واستنكارات وأنشطة دبلوماسية واسعة النطاق، بل عليها الانتقال إلى مرحلة اتخاذ إجراءات حاسمة تجاه أمنها والتهديدات المحيطة بها، لأن الأعداء الإقليميين والخصوم الدوليين يعملون ميدانياً، ولن يتوقفوا عن مثل هذه الأنشطة إلى أن يحققوا أهدافهم وأجندتهم في المنطقة، وإذا تحققت الأهداف والأنشطة