رهانان كان على جمعية الوفاق «التوفيق» بينهما؛ إما الشارع أو البرلمان لممارسة السياسة. وحسابات كثيرة «وازنت» بينها الوفاق لتحسم رهاناتها، كان أهمها؛ انتزاع أكبر غنيمة من فك الحكومة بالتنازلات، ثم تلتهم باقي الغنيمة باللعبة السياسية. ولكن المثل البحريني الشعبي يقول «من بغاه كله خلاه كله»، وهذا ما جنته الوفاق على نفسها.
اليوم تتحدث جمعية الوفاق والجمعيات النصيرة لها، في الحشد الذي أقيم بسبب إلغاء مؤتمرها العام، عن نزاهة الانتخابات ونسبة المشاركة ونوعيتها في مقابل المقاطعة، باعتبار أن مقاطعة جمعيات المعارضة يخل بقيمة الانتخابات وفاعليتها. ثم تعرج خطابات الوفاق وأنصارها على أخطاء الحكومة، وقضية الفساد وآثارها. ونحن نسأل؛ ماذا لو تحولت خطابات الوفاق التأجيجية إلى برنامج سياسي وإلى مقترحات وقوانين تقاتل الوفاق في البرلمان من أجل تحقيقها لخدمة الوطن والمواطنين؟ ماذا لو دخلت محاربة الفساد في أجندات الوفاق تحت قبة البرلمان في متابعة أداء الحكومة ومحاسبة الوزراء والفاسدين؟ ماذا لو دخلت الوفاق في تحالفات متعددة مع باقي الكتل البرلمانية أو المستقلين لتحريك الكثير من القضايا المعلقة؟ ماذا لو.. عملت الوفاق في السياسة فعلاً؟
اختارت الوفاق الشارع لأنها ترى أثر تأجيجها لجماهيرها بشكل فوري ومباشر، لو كانت الوفاق اختارت العمل السياسي من خلال قنواته الصحيحة لكانت دخلت هي الأخرى في نطاق متابعة جماهيرها الذين سيرصدون حضور نواب الوفاق وتغيبهم عن الجلسات وسيصغـــون لمداخلاتهـــم فــي البرلمــــان وسيرصدون لتصويتهم أو امتناعهم، وكانت الوفاق ستضطر لإطلاع جماهيرها على سبب تعثر مشاريعها المطروحة وارتباطها بالوضع الاقتصادي والتشريعي و... وكل الذرائع التي ترفضها الوفاق من خلال عملها في الشارع، وربما كان سيتكرر مشهد الشارع السني الذي أسقط جمعياته السياسية «الإسلاموية» ولم يبق منها إلا أفراد مشرذمون، ربما كان هذا المشهد سيتكرر في الشارع الشيعي إذا فشلت الوفاق في البرلمان.
لم تربح الوفاق شيئاً من مقاطعتها الانتخابات، وكانت البحرين ستربح لـــو انخرطت الوفاق في العمليـــة السياسية بنية صالحة للتغيير والمشاركــــة فــي الإصـلاح مـــن خـــــلال العمــل السياســي، ولكــن الوفاق تراهن دائماً على الحصان الخاسر طمعاً في إسطبل الخيول كاملاً. والشارع الذي توعدت الوفاق به البحرين غير مرة وعلى أكثر من لسان ليس مكاناً للتغيير والعمل الجاد والممنهج. الشارع للفوضى والشحن والتهييج واستعراض القوة. ومشكلة الوفاق هي مشكلة منطق بالدرجة الأولى، والمنطق لديها يتحول إلى آليات تفكير ثم أدوات تنفيذ، ومتى ما غيرت الوفاق منطقها ستغير آلية تفكيرها ثم ستتغير أدواتها من الشارع إلى البرلمان.