قريباً ستعرض الحكومة ميزانية الدولة على شكل مشروع بقانون على السلطة التشريعية بغرفتيها «الشورى والنواب» كي تقرها، وهذه المرة وعدت الحكومة بعرض الميزانية مصحوبة بالبرامج التفصيلية للوزارات مع مؤشرات الأداء، تلك الأدوات التي تنازل النواب عن الحصول عليها مقابل بعض المكاسب الخدمية وعدت الحكومة بتنفيذها في البرنامج العام الذي تقدمت به نأمل ألا يتنازل عنها الشورى ويصر عليها وهذه فرصتنا.
إن السلطة التشريعية بحاجة وبشدة لتلك الأدوات القياسية كي تضمن وحدة البرامج وتضمن تنفيذها، ومن الضروري أن تتمسك السلطة التشريعية بها وعدم التنازل عنها كاختصاص تصر على التزام الحكومة بتقديمه للبحث في أوجه ترابط البرامج الوزارية وبوحدة التوجه العام من خلال البحث عن مؤشرات التنسيق و التناغم بين الوزارات في تحقيق الأهداف.
فقد تبين من خلال متابعة الممارسة الوزارية بأن درجة التنسيق ضعيفة في بعض المواقع وتكاد تكون معدومة في مواقع أخرى مما يبدد الجهود المبذولة ويهدر أموالاً عامة كان بإمكان التنسيق والعمل المشترك أن يخدمها ويضفي عليها قيمة ويسهل من إنجازها ويحقق النتائج المرجوة لها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر في الحلقة الأخيرة من برنامج كلمة أخيرة التلفزيونية تعرضنا لـ3 مواقع كان ضعف التنسيق وانعدامه سبباً في عدم اكتمال أو ضياع مجهودات وزارات وسبباً في تكرار أزمات بعضها يمس الأمن الغذائي وسلامته، ويمس المال العام ويمس الاستثمار وجذبه أو هروبه.
فضعف التنسيق بين وزارات الدولة المعنية كالتجارة والبلدية والصحة ومعهم شركة المواشي ومعهم ممتلكات شكل ثغرة نفذ من خلالها فساد الذمم وفساد اللحوم معاً، والآن نحن أمام قضية يتهم فيها كبار تجار البحرين وكبار مسؤولي البحرين الحكوميين بالإهمال والتقصير.
المثال الثاني تهديد أكبر استثمار في جزيرة المحرق بالغلق قبل أن يفتتح وهو مجمع السيف، بسبب أن أولويات وزارة الأشغال كما أقرت الوزارة، هي غير أولويات وزارة التجارة وغير أولويات بنك الإسكان وغير أولويات المرور والطرق في وزارة الداخلية، وترك الأولويات لتحددها كل وزارة على حدة لا يمكن أن تكون صورة لأي حكومة متماسكة، مما تسبب بعدم إنجاز منافذ لهذا المشروع والتهديد بغلقه، لتشكل قصة اختلاف الأولويات بين وزارة ووزارة ثغرة أخرى يمر منها فساد الذمم وهروب الاستثمار.
أما المثال الثالث الذي استعرضه البرنامج فهو غياب التنسيق بين وزارتي الإسكان والبلديات في المشاريع الإسكانية في معالجة المساحات الترابية، حيث تنتهي وزارة الإسكان من مشاريع جميلة وراقية وكلفت الدولة الكثير واجتهدت فيها بالتصاميم الجميلة والتشطيبات عالية الجودة لتفسد البلدية المحصلة النهائية بتركها المساحات الترابية خالية وتعبئتها بإعلانات قبيحة وإعطاء التراخيص البلدية والتجارية لكراجات وتبديل الزيت إلى جانب سوق للخضار يقع على يمين تلك العمارات ليبرز لنا القبح متمثلاً في الفوضى والإهمال وعدم التنسيق.
من الواضح أن «برامج» الوزارات ليست برنامجاً حكومياً موحداً، بل إن كل وزارة هي حكومة قائمة بذاتها وغير معنية ببرنامج الوزارة الأخرى، فخلق ثغرات عديدة مست الأمن ومست الصحة ومست الاستثمار وتنويع مصادر الدخل كانت عائقاً وعقبة وحاجزاً وقيداً أمام تحقيق الرؤية العامة التي قدمتها الحكومة بأهدافها الرئيسة.
إن البحث عن القواعد المشتركة ووحدة وارتباط حزمة الأهداف لابد أن يتبدئ الآن من خلال البحث عن ارتباط البرامج الوزارية مع بعضها بعضاً، فحين تدعي وزارة وجود برنامج في جدولها وتعطي له «موعداً» و«كماً» لإنجازه وتطلب له ميزانية، لابد للسلطة التشريعية الآن وقبل أن تقر ميزانية هذه المشاريع من البحث عن علاقة الوزارات الأخرى بهذا المشروع أو ذاك البرنامج والعكس، ولا نقصد هنا بالمشاريع الإنشائية فحسب بل إن البرامج الوزارية تشمل الأمن والغذاء والصحة والتعليم والدين العام وتنويع مصادر الدخل وووو.
مهمة كهذه ليست بالسهلة وتحتاج قدراً من التخصص والخبرة قد يفتقدها المجلس النيابي خاصة في بداية تشكله كما هو حال هذا المجلس، لذا فإن تعاون وتكاتف غرفتي السلطة التشريعية الآن سيكون هو إحدى أقوى الأدوات التي تواجه بها السلطة التشريعية السلطة التنفيذية خدمة للصالح العام وسبيلها في ذلك مناقشة المشروع بقانون الذي ستتقدم به الحكومة لتمرير الميزانية، فإن نجحت الغرفتان بالخروج برؤية متماسكة موحدة فإننا أمام مرحلة جديدة ستساهم فيها الرقابة المسبقة بتجويد أداء السلطة التنفيذية بدلاً من الاعتماد على الرقابة اللاحقة فقط بعد أن تقع الفأس في الرأس.