التطورات التي شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات القليلة الماضية تستدعي إعادة النظر في الاستراتيجيات الأمنية التي تتبعها دول الخليج العربي؛ إذ إن أحداث ما سمي بـ»الربيع العربي» لاتزال تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة حاضرة ضمن الصراعات والتجاذبات، خاصة أن الإقليم يشكل نقطة صراع جاذبة للقوى العالمية، فسياسات الدول الكبرى تجاه الإقليم تتحدد وفق مصالحها، وما يمكن أن ينتجه عدم الاستقرار من إفرازات تدعم توجهاتها بالمنطقة، حتى لو لم نأخذ في اعتبارانا «نظرية المؤامرة».
إن التآمر الخارجي حاضر في كافة الأحداث في المنطقة بما لا ينفي مآلات المسؤولية الذاتية لبعض السياسات المعززة له في الداخل، وتعج دول المنطقة بشبكات تجسس وأعين مخابرات، الظاهر منها والمخفي من عدة بلدان، ضمن محاولات تحين الفرص وإيجاد الثغرات والبحث عن أوراق للضغط، من أجل سياسات تتوافق وتوجهات دول كبرى وإقليمية.
ومع ذلك، لاتزال هناك تيارات ومجموعات داخل دول المنطقة «يخونها منطقها» بتبني توازنات، ربما هي أقرب لترجيح كفة فتح مسارب تقنن للتآمر بيئة حاضنة، وتدفع بـ»صغار المخبرين» لتدبيج تقارير توفر شرعية للتدخل بالشؤون الداخلية للدول.
إن الاستراتجية الأمنية المطلوب توافرها هي التي تأخذ في اعتبارها منهجية النص القرآني بين حدي «الجوع» و»الخوف»، فـ»الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» سورة قريش آية 4، توضح أخطر ما يمكن أن تواجهه الشعوب، وما عداهما فهو رهن ظروفه ضمن منهج «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، وتحت هذين الحدين تقع العديد من المحاور التي تتشكل في الأمن الاجتماعي، والأمن الثقافي والفكري، والأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي.. إلخ.
الاستراتيجية الأمنية تحتاج إلى البحث عن عمق استراتيجي يوفر الدعم اللوجستي لسياسات الأمن الغذائي وتعزيز الأمن الاقتصادي، فندرة الغذاء والماء واحدة من أهم التحديات التي تواجه العالم خلال العقود المقبلة، الأمر الذي يتطلب الدخول في برامج عمل مشتركة، وآليات تدعم تحفيز التعاون بين دول الخليج العربي والبلدان العربية الأخرى، مثال الأراضي الزراعية التي منحها السودان لبعض دول الخليج العربي ضمن مبادرة الرئيس عمر البشير التي أطلقها في قمة الرياض عام 2013، والاستفادة منها في الاكتفاء الذاتي من المحصولات المعيشية الرئيسة التي تحتاجها دول الخليج من أجل تأمين الغذاء.
أما في ما يتعلق بمشكلة ندرة المياه؛ فربما يصلح ما تواتر خلال منتصف العام الماضي من تصريحات أطلقها مدير هيئة مياه ولاية الخرطوم بالسودان، جودة الله عثمان، حول مشروع لتصدير المياه النقية إلى دول الخليج مستقبلاً بالاعتماد على مياه نهر النيل، وما اقترحته دراسة سعودية في ديسمبر 2013 بإنشاء مشروع تجريبي يمكن السعودية من استيراد المياه من السودان لتغذية المياه الجوفية التي نضبت في منطقة نجران.
أكبر إشكال يواجه دول الخليج العربي، والداعي إلى تبني استراتيجية أمنية جديدة، هو الإرهاب، والعديد من جماعاته المزروعة هنا وهناك والتي تستخدم لزعزعة أمن المنطقة والشركات والمنظمات وبعض الدول التي تموله، وتوفر له القدرة على العيش والنمو والتمدد.
فما بين «القاعدة» و»داعش» تعيش العديد من التنظيمات الإيرانية والتي تتضمن ميليشيات «حزب الله» و»فيلق القدس» و»الحرس الثوري»، والتي تعمل جميعها وفق سياسات طهران في المنطقة، كلاعب إقليمي يعمل على زعزعة الاستقرار لصالح سياسات دول كبرى لا يهمها كثيراً استمرار جهود التنمية أو الإصلاح السياسي.