نأسف لما وصل به الحال لبعض رجالات الساسة في بلادنا، حيث انزلقوا في الترويج لنماذج من التجارب المتعاقبة الفاشلة، وآخرها التجربة الأمريكية - الإيرانية، والتي أثبتت فشلها في التطبيق بالواقع العراقي وجعلته يسبح في بركان من الدماء الزكية.
أطبع الله على قلوب من يدعي الحكمة في السياسة والدراية غشاوة أم أعمى الله بصرهم وبصيرتهم ليجعلوا من سقف أحلامهم استنساخ تلك المأساة المريرة؟ والتي اعترفت مؤخراً أمريكا ودول الشر العالمي بفشلها وأقروا بغبائهم السياسي واعترافهم أمام الأشهاد بجهلهم وأدوات استخباراتهم بتوليفة المجتمع العراقي ونسيجه الذي كان متماسكاً.
لو تحول العراق العربي المسلم فعلاً إلى تجربة ديمقراطية رائدة في المنطقة، كما ادعوا، لخرجت شعوبنا عن بكرة أبيها تريد الاحتذاء به، ولاصطفت مع من ينادي بالتغيير المنشود.
أما وبعد عقد من الزمان أثبتت الشواهد والأحداث فشل تلك الديمقراطية المعدة في حاضنة وظروف غير ملائمة لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، حيث سلقت على عجالة، وأريد لها أن تترعرع وتعيش في أجواء مغايرة تماماً للبيئة الأم.
تلك التجربة التي هوت بالعراق إلى وادٍ سحيق، وأعادت به القهقرى إلى عصور الظلام، بعد أن أصبح ذلك البلد جسداً مسجى تحاول أمريكا وحلفاؤها الآن جاهدين إعادة الروح إليه و(ولات حين مناص)، يسعون الآن إلى الإمساك بأي خيط ولو أوهنه التي تشابكت كبيت العنكبوت (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)، ولكن دون جدوى، حيث الفوضى ضاربة بكل مفاصله وأركانه، والطائفية والإثنية مزقت نسيجاً وفسيفساء كانت لقرون محط إعجاب لكثير من المجتمعات المعاصرة.
عن أي تجربة مريرة وبؤس يتحدث بعض أقطاب المعارضة كشاهد ونموذج يحتذى به بزعمهم؟.. عن بلد نهبت خيراته! ودكت بالأرض حضاراته! وصفيت وشردت كفاءاته! واستبيحت دماؤه وحرماته! وهدمت باسم الدين معالمه ومناراته! ونحر أتباع عمر والحسين وكل من حمل اسمه أو رفع لسليل النبي زوراً راياته! بل طال ذلك حتى مسيحيوه وكل أقلياته.
هل غايتكم تبرر وسيلتكم؟ حتى وإن كان الثمن طمس هوية بلد آمن مستقر لا يكدر صفوه سوى ثلة لا تفقه في السياسة ولا مصالح الناس التي هي أسمى هدف للسياسي الواعي المتزن.
لقد ذاق المواطن العربي المسلم ذرعاً بأطروحات وشعارات زائفة، وما زاد الطين بلة مجاهرتهم بإعجابهم بتجربة شهد العدو قبل الصديق على دمويتها، ولا توازيها بقبحها سوى النازية ومحاكم التفتيش الإسبانية سيئة الصيت.
لقد وصل الحد بالشعوب التي ضربتها حمى الديمقراطية الزائفة وتغلغلت تحت جنح الظلام أبشع أنواع الطائفية؛ إن لا تفكر بعد اليوم بمن يحكمها أكان سنياً أم شيعياً أو كردياً أم مسيحياً (كاثوليكياً أو مارونياً أو قبطياً)، يتطلعون لرجل عادل في قلبه ذرة رحمة وإنصاف ينأى بنفسه عن تلك المسميات المقيتة ويكون أباً رحيماً برعيته.
لقد سئمت شعوب المنطقة من الطروحات الطائفية المقيتة تحت عباءة الدين والفساد والتشرذم تحت مسميات الديمقراطية.
تعاضدوا أخواننا في الوطن وابحثوا عن الحكمة والصواب، ولا تركضوا وراء ديمقراطية زائفة لم تجلب لنا سوى البؤس والتفرق والتناحر، فالعالم يتقدم حثيثاً في أبحاثه ورفاهية حياته، ويا للأسف قضينا نحن عقوداً في تناحر وتشكيك وتكفير بعضنا للبعض، ونحن أبناء دين ووطن وأولاد عمومة وينهش بعضنا لحم الآخر.
حكموا العقول وأدوا الأمانة بحقها، فلا مكان للعواطف والشحن الطائفي للوصول لمآرب ثمنها دماء زكية.
سيقف أمام الله من يسخرها ويجيرها لغايات، حتى وإن كانت انتخابية، بعد أن يسلبه الله تلك النعمة التي لم تكن سوى امتحان ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب.