هاتفني مجموعة كبيرة من الشباب في هذه الأيام وتحدثوا معي حول مشكلتهم السكنية مع وزارة الإسكان. بدأت معهم المشكلة بعد تحديث بياناتهم الشخصية، والتي ظلت صامدة لمدة أعوام طويلة في مستندات الوزارة بكل سكينة، فكان تحديث البيانات بالنسبة لهم، يعني استبعادهم من قائمة المستحقين لوحدات سكنية!
شباب بحريني وفي لحظات طيش وزارية أصبحوا غير مستحقين لوحدات سكنية لهم ولأسرهم ولعيالهم، وكذلك توقفت عنهم علاوة السكن دون سابق إنذار، على الرغم من حاجتهم الماسة لهذا المبلغ الذي كان يغطي جزءاً يسيراً من مبلغ الإيجار، أما الخطوة الأخيرة فإن وزارة الإسكان أجبرتهم على أن يلتحقوا بمشروع البنوك القارضة لكل من يرغب في الحصول على منزل العمر، عبر مسلسلات مالية معقدة جداً وغير منطقية، وعند الكثير من شبابنا مستحيلة.
يبدو أن ما تقوم به وزارة الإسكان من ضغط على المواطنين يعتبر نوعاً من أنواع الخصخصة للوزارة، أو خطوة أولية لخصخصة الوزارة ومشاريعها، والمتضرر الأكبر من هذه العملية هو المواطن، والمستفيد الأكبر منها هم مكاتب العقارات الجشعة والبنوك التجارية الأكثر جشعاً، وبهذا يظل المواطن بين مطرقة المكاتب العقارية وسندان البنوك!
يقول أحد مراجعي وزارة الإسكان؛ بينما كنت خارجاً من مكتب المراجعة بالوزارة وإذا بأحد المراجعين من محافظة المحرق من الذين كانوا ينتظرون مراجعة ذات المكتب حول ذات المشكلة أيضاً، قام من مكانه قائلاً: «بشرنا» عسى استفدت؟ قال له لا بشرى لنا بعد اليوم، فكل الطرق أمامنا مغلقة، وكما قال نزار «طريقك مسدود مسدود مسدود».
كل الجرم الذي ارتكبه المواطن كي لا يستحق منزل العمر من الوزارة الموقرة هو أنه اجتهد وتعلم وحصل على مناصب جيدة في عمله، فتجاوز راتبه سقف الـ 900 دينار، أو ربما يكون راتبه قزماً، لكن حين يدمج راتبه إضافة لراتب زوجته يكون المجموع 900 دينار كذلك، وفي كل الأحوال يكون غير مستحق لمبلغ علاوة السكن، كما أن عليه أن «يمش بوزه» من بيت الإسكان!
حتى إجراءات مشروع وزارة الإسكان حول شراء منازل أو شقق تمليك عبر وسائط مكاتب العقارات أو البنوك فيها الكثير من التعقيدات والالتزامات المالية، فلو كان الشاب البحريني الذي قدم طلباً لوزارة الإسكان من أجل الحصول على «بيت» يملك المال الكافي ولو كدفعة أولية «مقدم» لشرائه من البنك مباشرة أو من مكاتب عقارية، لما احتاج أن يقدم طلبه لدى الوزارة أو أن ينتظر لأعوام طويلة أصلاً، أليس كذلك؟
يجب على وزارة الإسكان أن تعيد النظر في مفاهيم المواطنة وظروف المواطنين، كما عليها أن تشارك الناس في الآراء والأفكار والمقترحات والمشاريع الإسكانية، لأنهم قبل غيرهم هم المعنيين بالأمر، قبل أن تأخذ استشاراتها الغريبة من مستشار متخم بالرفاهية قد يصل راتبه لآلاف الدنانير، وربما يكون أجنبياً.
كما يجب على وزارة الإسكان إعادة النظر كذلك في القوانين المعتقة التي ليست هي في كل الأحوال آيات قرانية منزلة، بل هي قوانين يجب أن تصاغ من جديد كل عقد من الزمن وفق حاجة المجتمع ووفق ظروف ومعيشة المواطنين.
لتكن وزارة الإسكان شريكاً حقيقياً للمواطن لا أن تكون فرعوناً في وجهه، مع شكرنا لكل الجهود الأخرى المبذولة التي لا يمكننا التنكر لها أو غض الطرف عن قيمتها، لكن لو حسنت الإسكان بعضاً من قوانينها الصلبة والمجحفة بحق المواطنين لكانت وزارة كل الناس، وهذا ما يرجونه ونرجوه.