بعيداً عن خلافنا حول صلاحية النص الدستوري وخلافنا حول جدية الإصلاحات وخلافنا حول جدية الانتخابات والمجالس النيابية والبلدية وبعيدا عن جدلية المقاطعة والمشاركة، وبعيداً عن اختلاف تقييمنا لمستوى المترشحين، فإن الانتخابات وما يتبعها من استعدادات للدولة والمترشحين والإعلام والناخبين والمراقبين واقع قائم موجود يسمع له حس ويرى له غبار وله ظل مهما دفن المقاطعون رؤوسهم في الرمل فإن ما يجري يجبر الجميع على متابعته مقاطعين ومشاركين, بدليل أن الصحف جميعها حتى الوسط لا يمكنها إغفال هذا الحراك الذي يجري في مراكز الترشيح هذه الأيام وها هي تنضم لتغطيته.
خذ هذا المؤشر فقط وحده دون سواه أي المؤشر الإعلامي واترك عنك بقية المؤشرات لتصحو على واقع صدقت أنه حلم أو كابوس، خذ هذا المؤشر وحده واترك عنه مليون مؤشر آخر يدل على أن القاطرة تسير، وعلى رأسها بيان الاتحاد الأوروبي الذي عد الضربة القاصمة للمقاطعين, وحده «المؤشر الإعلامي» دليل على أن الواقع أياً كان لونه يفرض نفسه على الاهتمام الإعلامي ولا يمكن تجنبه والتغاضي عنه أو تهميشه حتى لو كرهته.
هذا الواقع أجبر الصحف كلها بما فيها الوسط على شغل الصفحات الرئيسية الأولى بنصفيها الأعلى والأسفل بأخباره وتقاريره، بالرغم من أننا مازلنا في أيام إعلان الترشيح بعد ولم ندخل لمرحلة الحملات الانتخابية وصخبها والذي سيفرض حراكها وجوده على الصفحات الأولى في جميع الصحف المحلية، شبهته مسرحية وصفته مهترئاً قل ما شئت اضحك على نفسك بقدر ما تحب.
وحين ياتي يوم الانتخابات ستكون وسائل الإعلام الأجنبية موجودة وقد تعطي المقاطعين مساحة لكنها ستكون جزءاً من المساحة الإجمالية فلن يستطيع أحد أن يتجاهل حراك المرشحين والناخبين والحملات والتقارير عنهم هو الذي سيطغى, وهكذا سيكون عليه الوضع حين افتتاح دور الانعقاد الأول، ومن بعدها ستكون أخبار النواب والشورى لها الأولوية أياً كان نوع وأداء هؤلاء النواب، فإن تجاهلهم سيكون مستحيلاً إعلامياً وستفرض أخبارهم نفسها شاء من شاء وأبى من أبى.
قد يكون العديد من الشباب العشريني أو الثلاثيني لا يذكر بأن هذا السيناريو وهذا المقال كتبته عام 2002 بالضبط أي قبل اثني عشر عاماً حين كان الجدل مازال قائماً حول نية الوفاق بالمقاطعة ولم تعلن قرارها بعد، حينها حذرتهم أنه في أحسن الأحوال ستحتفظون بموقعكم الإعلامي في الصفحات الأولى من الصحف في الشهرين الأوليين بعد الانتخابات على أفضل تقدير، إنما لن تجدوا هذا الموقع لكم بعد ستة أشهر، بل ستتوارى أخباركم في الصفحات الداخلية بل وفي النصف السفلي منها, وهذا ما حدث فعلاً، فبعد عدة أشهر اختفت أخبار الوفاق في الصحف المحلية وبالكاد كانوا يجدون لهم موقعاً إعلامياً في الوسط أيام انعقاد المؤتمر الدستوري السنوي ثم يعودون للبيات رغم أنهم كانوا يعقدون الندوات ويسيرون المسيرات لكن تناقص الأعداد مسألة متوقعة، بل أذكر أنني كتبت لهم مقترحاً بإجراء سحب على سيارة أو جوائز ثمينة لمن يحضر لضمان وجود عدد يحفظ ماء الوجه، وأذكر قول أحد السفراء العرب لي لقد برأت ذمتك حين رسمت لهم سيناريو واقعياً حدث بالفعل فلا حجة لهم بأن أحداً لم يحذرهم.
المؤشر الإعلامي واحد من عدة مؤشرات يمكنك قياس من خلاله حجم تأثيرك في الحدث حجم دورك في الواقع، أما حجم تأثيرك الذي رسمته أنت لنفسك ولمريديك وجمهورك داخل الفقاعة التي تعيش بها معهم، فإنه حجم لا يراه غيرك، حجم ضخمته ورسمت له هالة مكبرة ثم صدقت أن ما تراه أنت هو ما يراه الآخرون ... اللهم شافنا وعافنا مما ابتليتهم به.