حين كان يتجول المرء في شوارع مدن وقرى البحرين الأيام الماضية، كان لابد أن تصافح عيناه تلك اللافتات متعددة الأحجام والألوان وعليها عبارات من عدد محدود من الكلمات، لكن تأثيرها غير محدود على منح من لصقت صورته بجانبها؛ اهتمام الجمهور ورضاه، وتجعلة يحمل إما لقب «سيادة النائب» أو «المرشح السابق» في تلك الاحتفالية الديمقراطية التي تشهدها المملكة بحلول الاستحقاق الانتخابي، والذي توج في الثاني والعشرين من نوفمبر الحالي باهتمام ومشاركة شعبية غير مسبوقة، تلك العبارات التي يطلق عليها الشعارات الانتخابية والتي يفترض ان تحمل رؤي المرشح وتختزل برنامجة السياسي وترتبط بشكل مباشر بحاجات ابناء دائرتة لها مفعول ساحر على الجماهير وتعكس الكثير من الدلالات عن أفكار ورؤى النخب السياسية لمستقبل هذه البلد.
فالشعارات الانتخابية التي عزت أهميتها مع تنامي الاهتمام العالمي بالتسويق السياسي للمرشحين في العقدين الاخيرين؛ اصبحت احد اهم الاليات لدعم فرص المرشحين للفوز في الدول الديمقراطية، وهو ما يفسر هذا الكم الهائل من اللافتات التي انتشرت في أرجاء المملكة، حيث يبدو ذلك مبرراً في بلد عرف أول بلديات خليجية 1919 وبدأت فيها الانتخابات النيابية في وقت مبكر منذ 1973، مما جعل وعي المرشحين بآليات التسويق السياسي لدعم مواقفهم في الانتخابات ملموسا. ذلك الوعي الذي زاد مع بداية المشروع الإصلاحي الذي بدأ بميثاق العمل الوطني 2001 وأيده 98.4% من أبناء البحرين، ووضع دستور جديد للبلاد 2002 وترافق معه تكثيف الجهود الرامية لتنمية الثقافة السياسية للمواطنين في حقبة الانفتاح السياسي والاقتصادي، والتي بدأت على يد جلالة الملك وحظيت بدعم سياسي وتأييد شعبي جارف.
ولعل المحلل لهذه الشعارات يجدها متنوعة في مداخلها التأثيرية والإقناعية على الجمهور، فأحدها يحاول التأثير الوجداني وإثارة حماس الجمهور مثل وضع شعار» الانطلاق نحو المستقبل» و»أمل وعمل».. وغيرها، ومنها من اهتم بمرتكزات التنمية والتطوير أو المرتكزات الخدمية خاصة الاقتصادية منها والمرتبطة برفع المستوى المعيشي والأجور والتوظيف. كما نجد أن عدداً لا يستهان به من المرشحين قد ركز على قطاعات بعينها من الناخبين في صياغة شعاراتهم الانتخابية كالشباب والمرأة، أملاً بالفوز بأصواتهم ومحاولاً منهم لإبراز فكرهم المستنير والداعم لدور تلك الفئات في صياغة مستقبل هذا البلد.
في حين نجد أن كثيراً من النواب السابقين، والذين يخوضون السباق الانتخابي مرة أخرى، اعتمدوا على إبراز سماتهم الشخصية وركزوا على ألفاظ العمل المستمر والمتواصل والإنجاز، ووعد المواطنين بالاستمرار في خدمتهم إذا ما حظوا بأصواتهم في هذه الانتخابات، وكما برز مرتكز آخر شديد الأهمية اهتم به عدد من المرشحين، وهو ما حث المواطنين على المشاركة في العملية الانتخابية انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية الاجتماعية واتساقاً مع رؤية القيادة السياسية، والمتمثلة في تبني شعار «بصوتك تقدر» كشعار رئيسي لهذه الانتخابات، حيث رفع في هذا السياق شعارات مثل «شارك بالتغيير» و«أنتم من يصنع المستقبل» و«بصوتك نبني الوطن» و«حسن الاختيار يصحح المسار».
ولكن المحلل والمتعمق في استقراء هذه الشعارات يجد أن اغلبها على الاطلاق اهتم بالقضايا الوطنية خاصة قضية الوحدة الوطنية تلك القضية التي فرضت نفسها علي الساحة السياسية في الآونة الأخيرة مع ما يواجه عالمنا العربي عامة، ولا تستثني منه المملكة، من محاولات خارجية لإثارة الصراعات والفتن الداخلية للنيل من استقرار الأمم ودعم خطاها نحو التقدم والتنمية والتطوير، فنجد هناك من يرفع شعارات «مع بعض ديرتنا احلى» و«البحرين فوق الجميع وللجميع» و»يدا بيد نتكاتف لنبني الوطن» و«وطن يحتضن الجميع» و«وطن واحد يجمعنا».. وتعد هذه الشعارات احد الإيجابيات التي تكشفت مع هذة الانتخابات، فالوحدة الوطنية تعد أساس استقرار الأمم ونمائها باعتبارها القاعدة الأساسية لإقامة دولة حديثة، حيث إن تماسك العلاقات بين مختلف عناصر الدولة والمجتمع ثقافيا وقيميا واجتماعيا، والشراكة بين المجتمع المدني والدولة بمؤسساتها يمثل حصنا منيعا وحائطا صلبا في مواجة التحديات والعقبات التي تقف امام طريق التنمية والتطوير، لانها توفر مناخا امنا مستقرا يدفع عجلة التقدم للامام ويعد خط الدفاع الاول ضد اي مخططات خارجية تسعي للنيل من هذا البلد.
وما يدعم الفكرة السابقة ويعد قيمة مضافة يمكن استقرائها من الشعارات الانتخابية ان تحليل شعارات الانتخابات يظهر ان كلمتي «وطن واالبحرين» كانتا اكثر الكلمات تكرارا في الشعارات الانتخابية، وهو ما يدل على نمو الحس الوطني، ويعد انعكاسا للحالة العامة لدى الرأي العام في المملكة، ذلك الرأي العام الذي أصبح أكثر أحساساً واستشعاراً لأهمية فكرة المواطنة والوطن باعتباره الركيزة الاساسية للاستقرار والأمان لأي شعب أو أمة تريد أن تتقدم، وهو ما انعكس على أرض الواقع من خلال المشاركة الشعبية واسعة النطاق في الجولة الأولى من الانتخابات وهو ما يعكس نمو هذا الحس الوطني لدى شعب البحرين.
وما يسترعي التوقف أمامه في صياغة الشعارات الانتخابية هو نمو لغة تشاركية جديدة وليست خطابية، حيث اهتم المرشحون بإشراك المواطنين معهم في الفعل والرؤية السياسية، وبرز ذلك في العديد من الشعارات مثل «يداً بيد لغد أفضل» و«معا نستطيع وبتواصلكم ننجز» و«منكم ومعكم وبكم»، وهو ما يعكس اهتمام المرشحين بالناخبين ونمو فكر جديد لدى النخبة السياسية في البحرين يعطي أولوية للمواطنين ويبشر ببرلمان يضع فيه كل عضو برلماني الجماهير نصب عينيه، وهو ما يعني أن الأجندة السياسية لهذا البرلمان ستكون ترجمة حقيقية لرغبات الجماهير. كما أن ثمة عدة مؤشرات إيجابية تدعم هذة الرؤية؛ اولها الادراك الواضح من القيادات السياسية العليا لهذا الأمر، وهو ما بدا رأي العين في تصريحات سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد «أن المواطن هو المعيار الرئيسي في تحديد الأولويات»، وثانيها هو المشاركة الشعبية غير المسبوقة في التصويت في هذه الانتخابات، فطوابير الناخبين هي الأخرى خير تأكيد، على أن المواطنين أصبحوا مساهمين فاعلين في رسم المستقبل التشريعي لبلدهم.
وأخيراً، فالمراقب للشعارات الانتخابية للفائزين في الجولة الأولى من هذة الانتخابات والمؤهلين لخوض الجولة الثانية باعتبارها أداة لاستقراء متطلبات المواطنين وأحد مؤشرات صياغة أجندة البرلمان القادم، يجد أن معظمها مرتبط برفع شعارات خاصة بالإنجاز والعمل والوحدة الوطنية، فهذه هي رسالة الشعب لكم أيها البرلمانيون «دافعوا عن وحدة وطنكم وانجزوا مهمة التنميه والتطوير».