مبروك للفائزين وحظ أوفر للباقين ولا عزاء للمقاطعين، فقد فتحت الصناديق وقال الشعب كلمته، فهنيئاً للبحرين بشعبها الذي قال كلمته دون قيود ولا حدود ولا فتوى من مرجعية ولا تعليمات خارجية، فهو شعب مخير لا مسير، كما نقول للمقاطعين اخترتم الطريق المسدود، وأحلامكم قد تبددت، وأمانيكم تبعثرت، بعثرها من يحلم بدولة المعصومين والمقلدين، دولة ظن أنه سيكون له في يوم من الأيام سعة ومكان في حكومة أو برلمان، وها هو أحد وكلاء المراجع الإيرانية عيسى قاسم يقول في خطبة الجمعة بتاريخ 28 نوفمبر 2014، ويعلن بلسانه عن الدولة التي يسعى إليها «من عوامل تقدم الأمم وأكثرها أهمية هو صلاح القيادة، وهي قيادة المعصوم، ثم يأتي ممن هو دون مستوى العصمة وفي مقدمتهم فقهاؤنا العدول المشهورون المقلدون في هذا الزمن».
إذن القضية بالنسبة لهم ليست ديمقراطية ولا حرية ولا مظلومية ولا تمييز، بل سعي دولة تتبع دولة الولي الفقيه، التي تبيح للشعب الضلال وتجد له الأعذار وهذا ما نجده في العراق وإيران عندما قامت ميلشياتهم وحكومتهم بأبشع الأفعال وانتهاك الحرمات وقتل الأنفس البريئة دون جريمة، وذلك عندما أحلت ذلك المرجعية بفتاوى وربطتها بالدين، وها هو عيسى قاسم يبيح هذه الأفعال ويقول «عن شرط صلاح القيادة لسلامة الأمم وتقدمها، ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: لن تهلك الأمة وإن كانت ضالة إذا كانت الأئمة هادية مهدية»، فكيف بعدها لا يستبيح أتباعه الدماء، كما يقول أيضاً عن الإمام الصادق: إن الله ليستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام من الله، وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة».
إذن لا تستغربوا ما شاهدتم من جرائم تقشعر لها الأبدان في سوريا وإيران والعراق، ولا تتعجبوا مما يحصل في البحرين من أعمال إرهابية وقتل وترويع لم يتوقف للسنة الرابعة، فها هي أحاديث تثني على جرائمهم وتجعل منها تقرباً وعبادة، حين تصبح الأعمال الظالمة والمسيئة قد بررت وسمحت طالما هناك إمام ومقلد، فماذا بعد هذا التشريع والتحليل ننتظر، فالمقاطعة جاءت برأي المراجع الدينية، والتي أعلنت على لسان قاسم بأن المؤامرة على البحرين ستستمر، وهو ما ذكره في نفس الخطبة بقوله «الشعب لم يضع سقفاً زمنياً لانتهاء حراكه.. وهو مستعد لأربع سنوات أخرى وأضعاف الأربع»، وطبعاً الشعب الذي يقصده ليس له حرية بل يردد «لبيك يا فقيه».
لكن لا تسير الأمور كما يشاءها قاسم، الأمور تجري بمشيئة الله الذي يبيد الأمم الظالمة ولا يغفر لها حتى لو اتبعت أي إنسان، فالظالمون توعدهم الله وإن كانوا أبناء أو أزواج أنبياء، فلم يغفر لابن نوح كفره، ولم يحمِ امرأة لوط من العذاب، فكل نفس بما كسبت رهينة، وها هم الظالمون يسقيهم الله المهانة في كل مكان بظلمهم، وها هو قصاص الله يجري في الدنيا قبل الآخرة، وها نحن نرى عاقبة الظالمين في العراق، فلا استقرار ولا أمان لحكومة، فقلبها من الخوف يرجف، ولا تستطيع أن تخرج من مكانها، وإنما حبيسة الجدران أو في السراديب، وها هو سبحانه وتعالى يسلط عليهم كل يوم عدواً يخرج من بينهم، فلا أمان ولا منام ولا أفراح ولا أعياد، فأيامهم كلها متساوية ومتشابهة؛ قتل وبطش وانتقام، فلم يذوقوا لذة لحكم ولم يعرفوا طعم الجاه والسلطان، وها هم في كل مكان يذيقهم الله الخزي والعار، وكسرهم يزيد كل يوم بأشكال وألوان، ولكم بما حدث في البحرين مثال حين كسر الله ظهر الظالمين وأخرج عباده من بينهم سالمون وأذاقهم الهوان، ولم يرفع لهم الله راية ولم يعزز لهم سلطاناً، فكيف ترفع لهم راية وهم من غدروا وخانوا بالعهد وتحالفوا مع أعداء البلاد، وكيف يعزز لهم سلطاناً وهم يدعون الصليبيين لدخول بلاد المسلمين، إنها مشيئة الله وقدرته وليست مشيئة بشر.
نعود ونقول مبروك للفائزين ولا عزاء للمقاطعين، فقد فتحت الصناديق وانتصر الشعب وقال كلمته، أما المقاطعون دعهم يغرقون في الأحلام والقلق والتوتر، وذلك بعد أن اختاروا الطريق المسدود الذي فصل بينهم وبين البحرين، فلا يستطيعون بعد هذه المقاطعة إثبات مواطنتهم بأي حال من الأحوال، فمن شح بصوته عن البحرين فلا خير منه ولا منفعة منه ترتجى، فبمقاطعته قطع آخر حبال الوصال.