إيران دولة تتقن التخطيط لبسط نفوذها وتمددها في دول الجوار وتنفذ مخططاتها من خلال مؤسساتها التي تعمل بتناغم مع بعضها البعض، ومع أن ما تخطط له قد يفشل في بعض الأحيان إلا أنها تنجح في استثمار هذا الفشل وتحويله إلى نجاح، أي أن رد فعلها تجاه الفشل سريع جداً ويأتي لصالحها.
ما حصل في العراق في يونيو الماضي خير شاهد ودليل على قدرة إيران على استثمـــار الفشــل، فظهــور «داعــش» بهــذه القـــوة واكتساحهــا محافظــات مثل الموصل وصلاح الدين ثم الأنبار وطردها الجيش الحكومي من تلك المناطق ثم تفككه بسرعة فيما بعد، يعد انتكاسة وفشلاً أمنياً لإيران التي كانت تسيطر على هذه المناطق من خلال ذلك الجيش الذي يأتمر بأمرها، ومع ذلك تمكنت من استثمار هذا الفشل لفرض النفوذ والتمدد من جديد بطريقة أكبر، منتفعة من تباطؤ الأمريكان في التصرف والذي ربما يكون مقصوداً، فأعادت تشكيل قوات الأمن بطريقة عززت دور الميليشيات الشيعية الموالية لها في هذه المؤسسات وذلك بعزلها ضباط وإبدالهم بآخرين، كما إنها استطاعت توحيد ميليشياتها تحت مظلة واحدة، وتمكنت من الدخول ولأول مرة إلى عمق أراضي العرب السنة بهذه الميليشيات بعد أن كانت في السابق تقف على حدود مناطقهم ومن يدخل فقط الجيش فأصبح اليوم في قاعدة عين الأسد في الأنبار 300 عنصر من ميليشيا بدر التي يقودها وزير النقل السابق هادي العامري و200 عنصر من ميليشيا سرايا الإسلام التابعة لمقتدى الصدر بحسب تقارير.
وبدلاً من العمليات المتفرقة هنا وهناك لهذه الميليشيات نجدها اليوم تدمر وبشكل كامل مجمعات العرب السنة بعد أن هجرتهم منها فتحرق وتفجر بيوتهم وتسرق ما تبقى من أموالهم، كل ذلك باسم قتال «داعش» محققة بذلك أكبر عملية طرد للسكان من المدن التي يعيشون فيها، وما كان ذلك ليكون لو لا ما تعرضت له من فشل في يونيو الماضي، حتى من تسبب لها بهذا الفشل وأعني قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق أعادت تسويقه كبطل عندما أظهرته إعلامياً وهو يقود المعارك على أرض العراق لتغطي بذلك على فشلها الاستخباراتي الكبير كما يرى كثير من المحللين.
إيران خرجت من تجربة الفشل هذه أكثر قوة ونفوذاً وانتفعت من الفشل أكثر من انتفاعها من نجاحها السابق فأعادت توزيع الأدوار من جديد، إلا أن المسألة لم تحسم بعد فهي تتحرك على الأرض لكن أمريكا تتحرك في السماء، وما تخطط له أمريكا قد يجعل من إيران مجرد أداة لتنفيذ خططها ثم بعد ذلك تلقي بها خارجاً لأن المشروع الأمريكي أكبر من إيران وخططها.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}