لا أدري أهو سوء طالعي أم حظي العاثر، رغم عدم اعتقادي الجازم بالحظ والطالع والمطالع ومواقع الأبراج وخطوط الكف وبقايا الفنجان في جلب خير أو دفع شر، بل هو قدري المحتوم أن يجمعني معتمراً مع أول شوط طائفاً في البيت الحرام بدخول أفواج من رجال الأمن يحيطون من كل جانب بوفد رسمي تبين لي أنه رئاسي يضم سعادة الرئيس وحرمه وبعضاً من وزرائه ونوابه وطاقم مقربيه، ما أذهلني هو حجم طاقم الأمن المحيط بهم.
فما هو مصدر القلق والخوف الذي ينتابهم وهم في أكثر بقاع الله أمنا، وقد تكفل الله بحمايتهم؟
توقفت عن طوافي مرغماً لتحاشي ذلك الموكب وخشية أن يفسر أي احتكاك أو حركة غير منضبطة إرهاباً، والذي عجز لهذا اليوم المفسرون وخبراء السياسة وأهل القانون عن تعريفه وتوصيفه.
أسندت ظهري الذي أحنته السنون إلى سارية بالحرم وبت أفكر في حالي وكيف سأمثل أمام ألجبار بعظمته؛ ليسائلني عمن أعول، وعما وهبني من صحة ومال وعلم فيما أبليتهم، فاقشعر جلدي وتزاحم الدمع في مقلتي من هول استشعار وتذكر الموقف، ولم يلين إلا بعد تذكر قول الحق الذي يدعونا عدم القنوت من رحمته.
بماذا سيدعو ذلك الرئيس وطاقمه وقد تركوا وراءهم بلداً وشعباً أثخن طعناً ولم يبق منه شبر إلا وينزف دماً؟ أيطلبون المغفرة أو التبرؤ من دماء علمائه وكفاءاته وخيرة رجالاته الذين قتلوا أو هجروا في حقبة مظلمة ما زالت شاخصة، ومنظومة هم جزء منها، فضلاً عن عشرات الآلاف بلا ذنب أقبروا؟ أم جاؤوه ليطلبوا الغفران بالنيابة عن عصابات ومليشيات شردت الملايين ومثلت حتى بالجثامين، جلهم من الأطفال والنساء الذين بليت جلودهم ونخرت عظامهم جوعاً، ويرتجفون برداً في أكبر معاناة إنسانية لم تشهدها البشرية من قبل؟ أم قصدوا بيته معتمرين ليتحللوا من أموال نهبت وتحت جنح الليل؟ أم قدموا ليستغفروا ربهم عن خيانة عظمى شعروا الآن بجرمها وقبحها بتحالفهم مع شياطين الإنس من عتاة الأرض شرقاً وغرباً وعلى العزل من بني جلدتهم؟
اللهم إن كان بعلمك قدوم ذلك الرئيس وطاقمه وكل من يتولى أمراً من أمور المسلمين وطوافهم بالبيت وسعيهم وفي نيتهم التوبة والإصلاح وطلب العون منك في إقامة العدل في رعيتهم وتحكيم شرعك فيهم ويعينوا المظلوم ويشبعوا الجائع والمحروم. ويعيدوا النازحين والمشردين لبيتوهم ويكفكفوا دمعة الكسير ويمسحوا على رأس اليتيم ويسوقوا القتلة والمفسدين للقضاء ويعجلوا في إخراج الأبرياء من المعتقلين، والسعي لاصلاح ما أفسده سلفهم والذود عن بلدانهم وقطع أذناب المحتل وأعوانه، فإنا نشد على أيدهم ونؤمن لدعائهم؛ بل ندعوا معهم أن يغفر الله لهم ويتجاوز عما مضى من أوزارهم ويمدهم بعون منه وقوة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل.
وإن كان اللهم بعلمك أن قدومهم هو عرف دبلوماسي وإصرار على الذنب ونفاق وتدليس وتكريس للفرقة وانتهاك لحقوق الشعوب وإذلالها؛ فنسألك يا من لا تخفى عنه غائبة أن ترد كيدهم في نحورهم وتنجي تلك الشعوب المنكوبة من شرورهم، وألا تقيم لهم راية وأن تجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية، وألا تجمعنا بهم بعد لا في بيتك الحرام ولا في أي أرض أو مقام.
وعملاً بحسن الظن نقول «عمرة مقبولة سعادة الرئيس..».