طال انتظارنا لمصير وزارة الثقافة التي تحولت مؤخراً إلى هيئة تابعة لمجلس الوزراء، وسننتظر أيضاً لنعرف هل سيسفر هذا التغيير التنظيمي عن تغيير وظيفي في أداء الهيئة ودورها في العمل الثقافي البحريني؟
لاشك أن للشيخة مي بنت إبراهيم آل الخليفة، وزيرة الثقافة السابقة ورئيسة هيئة الثقافة والآثار الحالية، بصمات واضحة على الثقافة في البحرين لا ينكرها إلا جاحد، والشواهد لدينا كثيرة مثل ترميم البيوت الأثرية وتحويل بعضها إلى متاحف، وإقامة مهرجانات عديدة داخل البحرين، وتأسيس المسرح الوطني، كما أن الشيخة مي أثبتت حضور البحرين في الكثير من المحافل الدولية؛ كان أهمها تسجيل قلعة البحرين ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي واستضافة البحرين في مهرجان أصيلة في المغرب ضيفاً رئيساً، وتنظيم فعاليتي المنامة عاصمة للثقافة العربية وعاصمة للصحافة وغيرها من الفعاليات التي يضيق بها المقام، غير أن نقطة الجدل في إنجازات وزارة الثقافة السابقة كانت تتركز حول محلية الثقافة وموقع المثقف البحريني من الحركة الثقافية الكثيفة التي ضجت بها البحرين في الأعوام السابقة.
ماذا ننتظر من الرعاية الرسمية للثقافة في حلتها الجديدة؟ ننتظر بالدرجة الأولى إنتاج ثقافة محلية تكون العناصر البحرينية هي مكوناتها الأساسية ودعاماتها، ففي الأعوام السابقة شهدت البحرين عملية استيراد كثيفة للثقافات الخارجية جعلت من البحرين معرضاً ومسرحاً مهماً لفعاليات عالمية مهمة ومبهرة، وهذا شكل نقلة كبيرة في مفهوم الثقافة في البحرين جعله أكثر غنى وأسهم في حركة استقطاب المهتمين بتلك الألوان من الثقافات المتمثلة في المسرحيات العالمية والفرق الاستعراضية متعددة الجنسيات ومحاضرات للنخب الثقافية العربية والعالمية. كل ذلك يعتبر رصيداً مهماً في الصورة الحضارية للبحرين، لكنه لم يتواكب مع إبراز المكونات الثقافية البحرينية بالدرجة نفسها، ولم تنل الثقافة المحلية نصيبها الموازي من الاهتمام، فقد غابت الفرق الموسيقية والثقافية والاستعراضية والمسرحية البحرينية عن الساحة حتى كدنا ننسى أسماءها. وصار ما بقي منها يتصدر عمليات العرض التراثية في المحافل الخارجية أو الداخلية. ولم يكن حضور المثقف البحريني في برامج وزارة الثقافة السابقة بالدرجة التي تعبر عن حجم الثقافة البحرينية وتوجهاتها وعن الطاقات المكتنزة في الشباب المثقف الواعد، لذلك يمكن القول إن الثقافة البحرينية والمثقف البحريني لم يكونا واجهة إنجازات وزارة الثقافة البحرينية، وإن الوزارة كانت خارجية الطرح والهوى.
ماذا ننتظر من هيئة الثقافة البحرينية؟ ننتظر الكثير، لكن الكثير لن يتأسس إلا عبر استراتيجية متكاملة تتضح من خلالها ملامح الثقافة البحرينية التي تحول البحرين من مرحلة استقطاب الثقافات إلى مرحلة صناعة الثقافة، وهذا يتطلب بناء رؤية ثقافية ترصد الموارد الثقافية المحلية وتدرس كيفية دعمها وتطويرها وإيصالها إلى المحافل العربية والعالمية، ننتظر ألا يتم الاكتفاء بدعم المثقف البحريني بتسهيل طباعة مؤلفاته على نفقة الهيئة فحسب، ننتظر ترويج إنتاجه وعطائه بالمحافل الثقافية المحلية والعربية، وإقامة مسابقات ثقافية لأفضل إنتاج كتابي من حيث كتابة الرواية والقصة القصيرة والأعمال النقدية، وإقامة مسابقات لأفضل البحوث ولأفضل المعارض الفنية، على غرار الجوائز الخليجية والعربية.
ننتظر دعم النوادي والمراكز الثقافية كي تنتعش كالسابق، وكي تعود لتأثيرها وفاعليتها زمن كانت البحرين رائدة في هذا المجال، ننتظر الكثير فالساحة مليئة بالمكونات الثقافية في مختلف المجالات الفنية والأدبية والعلمية، نعم ثمة تشجيع ودعم لبعض الفعاليات الثقافية المحلية في البحرين، لكنها ليست بالقدر الذي يتوافق مع كم الإبداع البحريني، وليست بالحجم الذي يصنع ثقافة محلية متسقة ومتطورة وفاعلة.
إن التطرق إلى هذا الموضوع ليس من باب الإفاضة في الحديث عن الثقافة باعتبارها ترفاً تنموياً، بل هو إدراك بأن الثقافة ليست فعاليات مسموعة ومقروءة ولوحات معلقة، الثقافة فعل تعبير يهدف إلى التغيير، الثقافة حركة تحرير تهدف إلى إعادة البناء. وليس من ظرف تشتد فيه الحاجة إلى الاهتمام بالثقافة مثل الظرف الذي تموج فيه اللحظة التاريخية الراهنة من الحراك المتناقض والمتضارب المفضي إلى الحيرة والمفتقد إلى الدليل، لذلك ننتظر الكثير من المبدعة الشيخة مي بنت إبراهيم آل الخليفة.