بينما المجالس الرمضانية تكتظ بالداخل والخارج، وبينما أغلبها تدور فيه جمل المجاملات وتطغى فيه الابتسامات حتى «تطلع الصورة حلوة»! هناك وفي شوارع بعض المناطق في البلد يستمر الإرهاب وحرق البلد، وهناك في بعض المناطق في هذا البلد يستمر التحريض واستنهاض مزيد من الكراهية للبلد!
صورتان متناقضتان تماماً، لا تحكيان أبداً واقع البحرين، إذ من الاستهزاء بالعقول أن نعلي صوتنا ونقول بأن البلد في أمان وأن الأمور عادت لما كانت عليه طالما هناك من يقف ويخطب في الناس ويحثهم على مواصلة ضرب هذا الوطن، طالما مازالت هناك عمليات قطع للطرق وإرهاب للناس وقتل لرجال الأمن.
نقرأ الصحافة، نرى صور المجالس، نقرأ العناوين الرنانة، الكل يتحدث عن الوطن والحفاظ عليه وأن القانون هو سيد الموقف، لكن في الوقت نفسه نرى ما يحصل على أرض الواقع (وهذه الحقيقة التي لا يجملها الإعلام)، رجل أمن جديد يسقط شهيداً، خطابات التحريض مستمرة ضد الدولة وضد المكونات الأخرى، وتاجر الدين الإيراني الهوى يواصل زرع الفايروس الأزلي «المظلومية الكبرى» في عقول من يتبعه، وصاحب الوجهين يعمل في السر لدخول الانتخابات؛ لكنه في الظاهر يقول لأتباعه بأنه مقاطع وأن عليهم الخروج بكثرة ليلاً للمشاركة في المسيرات والتحركات، والتي هي في أساسها ضد الدولة وشرعيتها، والتي تحمل شعاراً لها «إسقاط النظام» والإساءة لرمز الحكم حتى وإن حاولوا إخفاء ذلك.
البلد ليست بخير، وهذه هي الحقيقة، واختلاف كبير بين أن تسير الحياة بروتينها الطبيعي وأن يخرج الناس للمجمعات والأسواق ويجلسوا على المقاهي أو المطاعم وأن يدخلوا السينما ويمارسوا حياتهم وبين أن وضع البلد غير مستقر أمنياً. فقط القول بأن «الأمور طيبة» اليوم هو بمثابة «تخدير للعقل» وإقناع للنفس بغير الواقع.
لسنا متشائمين أو ندعو الناس للتشاؤم حسبما يرى البعض ومن ضمنهم راسمي سياسة «احتواء» صناع الفوضى وعرابي الانقلاب، بل على العكس، فينا تفاؤل يدفعنا للمضي في حياتنا والعمل من أجل الوطن، لكن ما نقوله اليوم وكل يوم لا يخرج عن سياق التنبيه والتذكير، ولا يعني التذكير هنا هو «استمرار العيش في الأزمة» وكأنها حاصلة وممتدة إلى الآن، بل التذكير هنا حتى لا نعيد تكرار الأخطاء نفسها، والتي دفع الوطن وأهله المخلصون الثمن قبل غيرهم، وما زالوا متأثرين بذلك.
الآن رجل أمن آخر يسقط شهيداً، ماذا ننتظر وماذا نتوقع؟! أو بالأصح ماذا نتوقع بخلاف ما كان يحصل سابقاً مع سقوط كل رجل أمن؟! استنكار وتصريحات تؤكد على الرفض وضرورة تطبيق القانون، واستنهاض إعلامي، طبعاً ليس في التلفزيون الرسمي، باعتبار أن الناس عرفت باستشهاد رجل الأمن عبر وسائل التواصل وتويتر وزارة الداخلية، إلى غيرها من «ردات فعل» غاضبة، لكن السؤال المهم هنا: طيب، إلى متى؟! ومتى بالضبط يوضع حد لهذا الانفلات واللعب في مقدرات الوطن وإقلاق حياة الناس فيه؟!
يمكننا أن نعطي أنفسنا «مسكنات» وحتى «مخدرات» لتجعلنا نقول بأن «الوضع طبيعي» والأمور «طيبة» وبالبحريني «وين كنا ووين صرنا»، لكنها كلها أمور تخالف الواقع الذي يقول بأن الإرهاب مستمر، التحريض متواصل ويسير برتم متصاعد، محاربة الدولة صريحة وواضحة لا تحتاج لعين خبير، والقانون مازال على حاله .. «غائب ومستتر» بالنسبة للحالات التي ينبغي فيها أن يكون هو صاحب القول الحاسم والفصل.
رمضان كريم يا جماعة في المجالس فقط، لكن في الشوارع رمضان «أليم»!