العشرات من بلدان العالم تفرض دساتيرها وقوانينها وأنظمتها الوطنية عقوبات متنوعة على من يقاطع الانتخابات، ومن يمتنع عن التصويت في الانتخابات النيابية والبلدية.
هناك جدل سياسي كبير تجاه إلزامية المشاركة في الانتخابات المختلفة أو عدم إلزاميتها، فالحرية الشخصية التي تقوم عليها أي ديمقراطية تفرض على الجميع حرية الخيار في المشاركة أو الامتناع عن التصويت، وهي حرية يرى البعض أنها غير قابلة للمساءلة، لأن الفرد من حقه ممارسة حقوقه الدستورية المتعددة حسبما يراه مناسباً، وحسبما يعتقد أنه من مصلحته أو من مصلحة مجتمعه.
الرأي بعدم إلزامية الحق الدستوري بالترشح أو الانتخاب، وهو الأهم، يفتح المجال أمام العديد من التحديات السياسية، فهو يحوّل هذا الحق إلى أداة من أدوات العمل السياسي، حيث تقوم الأحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة باستخدام هذه الأداة لتحقيق أجندتها، وهو ما يربط العملية السياسية برمتها بتوجهات التنظيمات السياسية التي بإمكانها إنجاحها بالدعوة للمشاركة الإيجابية، أو إفشالها بالدعوة للامتناع عن المشاركة.
التحدي هنا يتعلق بتحول الحق الدستوري إلى أداة مساومة واستغلال سياسي، فتكون الحقوق الدستورية للمواطنين بالانتخاب مرتبطة بمجموعة أفراد أو جماعات أو تنظيمات تتحكم بكيفية ممارسة المواطنين لهذا الحق، والمحصلة أن الحق الدستوري استلب من المجتمع مقابل مصالح محدودة.
كذلك إذا كان الحق الدستوري بالانتخاب غير إلزامي فإنه يفتح المجال أمام أعمال إرهاب متنوعة الدرجات، حيث يتم تهديد المواطنين الراغبين بالمشاركة من قبل الأفراد والجماعات والتنظيمات السياسية. وهذا انتقاص من حق المواطنين الذين يرغبون في ممارسة حقهم الدستوري بكل حرية.
على الجانب الآخر هناك من يرى أن الحق الدستوري بممارسة الانتخاب هو حق إلزامي على جميع الأفراد ممارسته حسب الشروط المحددة في الدستور وبما ينظمه القانون.
فكرة إلزامية الحقوق الدستورية تقوم وفقاً لنظرية المواطنة التي تقدم لكل فرد مجموعة من الحقوق يجب أن يتمتع بها، وبالمقابل هناك واجبات أخرى عليه الالتزام بها تجاه نفسه، وتجاه مجتمعه. وطبقاً لذلك فإن المواطنة تفرض على كل مواطن إلزامية المشاركة في الانتخابات، ومن يتقاعس عن ممارسة هذا الحق تتم معاقبته بالقانون الذي يفرض مجموعة من العقوبات طبقاً للتجارب الديمقراطية المتعددة.
الديمقراطية البحرينية لا تفترض إلزامية الحق الدستوري بالانتخاب، وبالتالي لا تعاقب المواطنين الذين لا يشاركون بالتصويت في الاستحقاقات الانتخابية.
ونحن مازلنا في بدايات هذه الديمقراطية من الأهمية بمكان اتخاذ كافة الخطوات والإجراءات لضمان استمرارها واستقرارها لتتطور تدريجياً بدون سقف زمني افتراضي أو واقعي.
ونتذكر أن البحرين واجهت منذ بداية تجربتها الديمقراطية في العام 2002 حملة مقاطعة مفتعلة من بعض الجمعيات السياسية، وتكررت هذه التجربة ثلاث مرات في العامين 2011، ثم الآن في 2014. لذلك فإن الاستمرار في التعامل مع الحقوق الدستورية دون إلزام من شأنه الإضرار بالتحول الديمقراطي، وتحويل حقوق البحرينيين الدستورية إلى أدوات سياسية في يد بعض الجماعات أو رجال الدين أو تدخلات حكومات أجنبية تتحكم فيها كيفما تشاء.
على المجلس النيابي المقبل، والحكومة الجديدة مراجعة واسعة لإلزامية الحقوق الدستورية، وتحديد رؤية مشتركة موحدة لحماية مستقبل الديمقراطية البحرينية، فمصلحة الدولة فوق أي مصالح فردية أو جماعية.