يمثل الأمر الملكي الصادر 13/09/2002م محور ارتكاز للإطار النظري الناظم لعملية المشاركة الجماعية في صنع واتخاذ القرار السياسي، بفتح الباب لجميع المواطنين دون تميز لجنس أو عرق لمباشرة الحقوق السياسية لمجلسي النواب والشورى، وإن تضمن إجراء تعديلات قانونية طالت كلاًّ من المرسومين بقانونين المتعلّقين لإبداء رأي المواطنين رجالاً ونساء في كل استفتاء يجري طبقاً لأحكام الدستور 2002، وانتخاب أعضاء مجلس النواب.
بهذا تم تهيئة الوعاء الحاضن «مجلس النواب « للمشاركة في عملية متداخلة في جميع وظائف التشريع والرقابة والأنشطة وفق اختصاصاته، فيقوم بتخطيط جدول أعماله من خلال مكتب الأمانة، ويتخذ قرارات معينة في كل جزئية ومرحلة من جزئيات مراحل العمل، بدءاً بوضع خطة الجلسات، وجدولة الأهداف، وتحديدها سواء لمناقشة مقترح برغبة، أو مشروع قانون، أو تراتبية قائمة أسماء النواب الراغبين بالمداخلات الكتابية أو الشفاهية، انتهاء برفعها، ومن هنا يبدأ تنظيم المهمة البرلمانية الأساسية للمجلس بمباشرة دوره التشريعي الرقابي على الوجه المبين في الدستور، وطبقاً لأحكام اللائحة الداخلية لمجلس النواب.
أوكل جلالة الملك القرار الملكي أعلاه إلى مجلس النواب الجديد اتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات قانونية لتنظيم عمل التنظيمات السياسية، وفق تشريعات ناظمة للعملية الانتخابية بشأن مباشرة الحقوق السياسية بالبحرين، لقد كانت أولى المهام السياسية لأول مجلس نواب منتحب للأسف أخفق في الالتفاف إلى أهمية تنظيم العمل السياسي في البحرين، كما أخفق مجلس النواب الثاني والثالث، فأصدرته السلطة التنفيذية بناء على توافقات مرئيات الحوار الوطني 2011م.
وعملية صنع واتخاذ القرارات محور العملية السياسية التي لا تخلو من الخيار بين بدائل عديدة، كما لا يخلو أي منها من عنصر الشك أو عدم اليقين، وتتصف العملية بالاختيار الواعي بين عدد من الممكنات لا على أساس تجريدي، ويشترط أن تكون على أساس عملي مرتبط بالظروف القائمة لتحويل الاحتياجات والمطالب إلى قرارات سياسية من خلال سلسلة من الإجراءات والتفاعلات بين النسق السياسي والأنساق الاجتماعية الفرعية الأخرى، وتكتسب عملية صنع القرار بأجزائها أهميتها ومعناها الحقيقي من خلال الحاضنة أو الوعاء السياسي والاجتماعي التي تشكلت فيها، باعتبار محل نشأة القرار السياسي جزءاً أصيلاً من متغيراته وأساسياً لتفاعلاته وسيروراته.
وتتبلور مقترحات الرغبات، وتتحول إلى قرارات سياسية، باستخدام الأدوات الدستورية المتوفرة لمتخذ وصانع القرار أو المشارك في اتخاذه وصنعه، وترفع بالآليات الإجرائية إلى اللجان المختصة لدراسته، وتمر في قنوات إجرائية تبدأ بفحص التشريعات والقوانين الموجودة للتأكد من عدم تكرارها، وبتحديد أهمية تلك الحاجات أو المطالب المجتمعية التي تعكس في حركتها مختلف عناصر الواقع الاجتماعي، ومظاهره، ومحدداته، باعتبارها مجساً كاشفاً عن مدى تطور أفراد المجتمع بفحص مطالبهم أو حاجاتهم إن كانت مطالب سياسية أو معيشية استهلاكية، ومن ثم تتم معالجة صياغة مقترح برغبة كمحصلة لهذه التفاعلات المؤسسية والسلوكية المرتبطة بعملية صنع القرار السياسي، علماً بأن بعض المجالس التشريعية العربية تشترط أن يكون مقترح برغبة مصوغاً من قبل مقدم المقترح، ومسبباً بمبررات المقترح، ومخرجاته المتوقعة، دولة الكويت مثالاً مادة رقم (97) من اللائحة الداخلية لشؤون مجلس الأمة.
وبذلك نجد أن القرار السياسي ليس منفصلاً عن وعائه الاجتماعي، أي عن السياق الذي يجري فيه والظروف السياسية التي تكتنفه وتحيط به، فلا معنى للقرار بذاته دون تأثير محل الصياغة المستجيب لتلك المطالب أو الحاجات بغض النظر عن تصنيفها، فهي في نهاية المطاف معبرة عن حاجات ومصالح فئات، وشرائح اجتماعية عادة ما تخضع في تفاعلاتها المتبادلة لإجراءات فرز الأولويات والتنسيق بما يتفق والضرورة المتغيرة المسايرة لصالح النسق العام في المجتمع.
ومن ثم تتم عملية المفاضلة باختيار أحد بدائل التصرف ضمن إطار مجموعة من المحددات تشّكل بمجملها البيئة المجتمعية للقرار السياسي بتأثيراته على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتستمد مشروعيتها من الموافقة الجماعية على الحلول التي تكرسها، وهذه الموافقة تبنى على الضرورات الأساسية التي تنجم بدورها عن مجموعة من المعطيات على المستوى المعنوي للتصورات والقيم الوطنية الجامعة، وعلى المستوى المادي للرغبات والحاجات والموارد أو المصادر المتاحة في الدولة.
وهذا يرتبط بالضرورة بتوازنات القوى السياسية الفاعلة في مجلس النواب، وتفاعلاتها بكل تمايزاتها في المجتمع البحريني، فتحليل عملية صنع القرار تكشف عن مدى تمكن النائب المنتخب من إلمامه ومهارته في استخدام الأدوات الدستورية المتاحة من جهة، ومن جهة أخرى تكشف عن مدى ديمقراطية النظام السياسي الجديد ودرجة تطوره وتوجهاته الأساسية في إدارة الدولة وأساليب اتخاذ وصنع القرارات السياسية المختلفة، وهي عملية مؤثرة في عمليات التغيير والتحديث السياسي والاجتماعي في بنية النظام السياسي لوطن يرنو إلى العلياء.