الفارق بين المظاهرة التي خرجت في فرنسا أخيراً احتجاجاً على الاعتداء على الصحافة ورجال الأمن واحتجاز رهائن وقتلهم بدم بارد وانتصاراً للحريات، وبين المظاهرات التي تخرج في البحرين بتحريض من جمعية الوفاق بسبب ومن غير سبب أربعة أصفار فقط، ولكن لأن الأصفار الأربعة هذه مكانها على اليمين لذا فإن الرقم هناك يقرأ بالملايين، بينما يقرأ هنا بالمئات فقط بسبب غيابها. الملايين الثلاثة التي خرجت هناك لا يقابلها هنا سوى مئات 3 في أحسن الأحوال، حيث الرقم هنا لا يستوعب سوى صفرين، أما الفارق في القيمة بين تلك وهذه فواضح ولا يحتاج إلى شرح.
ورغم هذا يصر الوفاقيون على توثيق تلك المظاهرات فقيرة العدد ونشر صورها، فهي تعتقد أنه يكفي أن خمسين هنا وستين هناك يخرجون رافعين بعض الأعلام واللافتات ليقال إن المظاهرات والاحتجاجات مستمرة وإنهم لن «يعجزوا» وسيواصلون المشوار حتى النهاية، وليقال عنها إنها نجحت في تسيير المظاهرات المؤيدة لها في احتجاجها على تعريض أمينها العام للنيابة العامة.
بالنسبة للوفاق الأهم من المظاهرات الصغيرة التي يتم تسييرها في بعض القرى هو الصورة؛ صورة المشاركين وهم يرفعون الأعلام، وصور الدخان الأبيض الذي يصنفونه في خانة «الاعتداء على المتظاهرين السلميين»، فهذه الصور يتم إرسالها في التو والحال إلى الفضائيات السوسة لبثها وإلى المنظمات السوسة للمتاجرة بها، وإلى كل «ملقوف» في العالم بغية توصيل رسالة باتت واضحة، ملخصها أننا مظلومون وسلميون وأن الحكومة هي التي لا تريد أن تنصفنا.
المظاهرات فقيرة العدد التي يتم تسييرها في هذه الفترة هي للاحتجاج على توقيف أمين عام الوفاق، فالوفاق ومن معها يعتقدون أن الحكومة هي التي قامت بتوقيف علي سلمان وأنه بإمكانها أن تفرج عنه. لو كان هذا صحيحاً فالأصح هو أن ترفضه الوفاق لأن ما قامت به الحكومة ناضل المواطنون من أجله طويلاً. المواطنون ظلوا يطالبون بأن تكون النيابة العامة هي الفيصل والحكم، فهل يعقل أن يطالبوا بعكس هذا اليوم بعد أن صارت الحكومة تلجأ إلى النيابة العامة؟
ما حدث هو أن الحكومة مارست حقها في التحقيق مع أمين عام الوفاق، وعندما وجدت أن الأمر مؤهل لتحويله إلى النيابة العامة حولته إليها لتكون هي من يقرر إن كان بريئاً من التهم الموجهة إليه أم لا، فتفرج عنه أو توقفه على ذمة القضية أو تحوله إلى المحكمة. هذا مطلب شعبي قديم ينبغي من الوفاق وغير الوفاق ألا يفرطوا فيه لأنه يدخل في باب المكاسب التي تحققت. سنوات طويلة والجميع يطالب بأن تكون النيابة العامة هي الفيصل، فهل من المنطق أن يداس على هذا المكسب فقط لأن أمين عام الوفاق تمت إحالته إلى النيابة العامة؟ وهل بيد الحكومة أن تلغي قرار النيابة العامة بتوقيفه لمدة يحددها القانون؟
لو كان ذلك بيد الحكومة وتفعله فالمنطق يدعو الوفاق وغير الوفاق إلى الاحتجاج على هذا الأمر وليس تسيير المظاهرات لتقوم الحكومة بالضغط على النيابة العامة كي تفرج عن هذا أو ذاك. طبعاً الوفاق ومن معها يهتمون بنشر فكرة أن النيابة العامة في البحرين ليست إلا «علثة» وأنها لعبة بيد الحكومة وأن الأمور كلها بيدها، فهي التي توجه النيابة العامة إلى اتخاذ ما تريده من قرارات وأحكام وهي التي تلغي ما تريد إلغاءه منها.
لو كان هذا صحيحاً فينبغي من الجميع الخروج في مظاهرات احتجاج بستة أصفار لأن تحويل القضايا إلى النيابة العامة مكسب شعبي لا يجوز التفريط فيه، وهو تأكيد لحكم القانون وللديمقراطية التي تساوي بين الأطراف وتعتبر الحكومة طرفاً من أطراف النزاع وليست حكماً.