من الأمور التي لا يمكن الاختلاف عليها هي أن الاستمرار في معالجة الأزمة التي ستكمل بعد قليل عامها الرابع بهذه الطريقة لا يمكن أن يوصل إلا إلى طريق مسدود، فما يجري الآن لا يخرج عن ردود أفعال؛ الحكومة تنزعج من تصرف معين من «المعارضة» فيكون لها رد فعل، و«المعارضة» لا يعجبها تصرف معين من الحكومة فيكون لها رد فعل، وعلى كل رد فعل هناك رد فعل يؤدي هو الآخر إلى رد فعل، وهذا وذاك وكل ردود الفعل لا يمكن أن توصل إلى نتيجة موجبة، فعندما تسير الأمور بهذا الشكل لا يمكن أن تكون النتيجة إلا بهذا الشكل.. استمرار المشكلة وتعقدها.
هناك أمور صغيرة تحدث من «المعارضة» يؤمل أن تغض الحكومة الطرف عنها أو على الأقل لا تركز عليها وتعتبرها من الأولويات في هذه الفترة، وهناك إجراءات تقوم بها الحكومة يفترض من «المعارضة» القبول بها وعدم اعتبارها نهاية العالم، فهي معارضة وليست حكومة رديفة، بمعنى أنه ليس معقولا أسلوب المناكفة الذي تعتمده «المعارضة»، فليس معقولاً الاحتجاج على كل حكم يصدر من النيابة العامة أو المحكمة، وليس مقبولاً الاحتجاج على كل قرار تتخذه الحكومة.
هذا الأسلوب لا يمكن أن يؤدي إلى الطريق الذي يمكن أن يوصل إلى حيث يتوفر باب الخروج من الأزمة. هذا الطريق يزيد المشكلة تعقيداً. لا يمكن بالطبع إلقاء كل اللوم على «المعارضة»، ولكن ما تقوم به هذه «المعارضة» يستوجب توجيه اللوم الأكبر إليها.
بالأمس أخرجوا الناس في مظاهرات احتجاجاً على استدعاء سين أو صاد للتحقيق، وقبله أخرجوا الناس في مظاهرات احتجاجاً على أحكام صدرت من المحاكم، وبعده أخرجوا الناس في مظاهرات احتجاجا على قرار للنيابة العامة بتجديد توقيف سين أو صاد، وبعد بعده أخرجوا الناس في مظاهرات احتجاجاً على قرار أو حكم أو قول أو تعليق أو تصريح، والمظاهرات يتبعها مواجهات. هذا وضع لا يمكن لأي حكومة القبول به، لأنه لا معنى له سوى أن «المعارضة» تسعى إلى تحقيق هدف معين من هذا الأسلوب؛ كأن توصل للعالم مثلاً أن البحرين غير مستقرة وأن الحاجة باتت ماسة للتدخل الخارجي، وربما تدخل الأمم المتحدة.
إذا كان يصعب على الحكومة التغاضي عن الكثير باعتبار أنه لا توجد حكومة في العالم تقبل بالتجاوزات وبالسلوكيات التي تؤدي إلى الفوضى والتخريب والخروج على القانون، فإنه ليس صعباً على «المعارضة» أن تتوقف عن الكثير من الممارسات التي لا تكسب منها مفيداً وتجعل الحكومة تصر على مواقفها. ترى ماذا يمكن أن يحدث لو لم يتم إخراج الناس في مظاهرات احتجاجاً على قرار يصدر من الحكومة أو حكم للنيابة العامة أو المحكمة؟ أوليس اتباع الأسلوب المعتمد حالياً من «المعارضة» يشتت جهودها فلا تعرف حتى الأولويات؟ أوليس الاستمرار في الاحتجاج بسبب ومن دون سبب يؤدي إلى تشكل حالة من الملل لدى الناس ولدى الجمهور المتابع في الداخل والخارج، وحتى لدى المنظمات الحقوقية المتعاطفة أساساً مع «المعارضة»، والتي تقبل كل ما يصلها منها؟
مطلوب من الحكومة أن تغض الطرف عن بعض الأمور وتتنازل عن أخرى، خصوصاً تلك التي لا تمس هيبتها، لكن مطلوب من «المعارضة» أيضاً أن تراجع «تكتيكاتها» وأن تغير من أسلوبها، فهناك الكثير من الأمور التي لا تستدعي الاحتجاج أو اتخاذ موقف عنيف ولو بالكلام.
بإمكان «المعارضة» أن تقود عملية التهدئة وتعين باتخاذها سبيل العقل والمنطق على الوصول إلى حيث يوجد الباب الذي يمكن الولوج منه إلى حيث الحل النهائي لهذه الأزمة التي لا تليق بشعب البحرين.