ظلت أحزاب وجمعيات سياسية في وطننا العربي تعيد إنتاج أزماتها الداخلية على مستوى منهجها التنظيري وسلوكها السياسي، عبر ردات فعل غير مدروسة، وقصور في قراءة الواقع، فهاهي جمعيات ذات وزن جماهيري تفشل في انتخابات البحرين، وأحزاب سودانية منقسمة على نفسها، الواحد منها يتخذ مواقف بين «رجل مع النظام الحاكم وأخرى مع المعارضة»، وفي تونس ومصر تعود بقايا أنظمة اقتلعتها شعوبها عبر أحزاب وتنظيمات سياسية، تحلم بالعودة إلى الوراء لما قبل التغيير، وأحزاب إسلامية تفوز في الانتخابات وتعمل وفق منهجية التمكين لجماعتها فيطالها التغيير.
ولا تجد واحدة من الأحزاب والجمعيات السياسية خرجت من عباءة إعادة انتخاب مسؤولها الأول مرات ومرات، مكرسة بذلك فعلاً أقرب إلى ديكتاتورية الأحزاب التي تؤسسها أنظمة حكم شمولية وتحكم باسم الشعوب في الأوطان العربية دونما رادع وبلا منافس، كأنما أصيبت هذه الأحزاب بلعنة ما.
ما الفرق بين رئيس دولة يعيد ترشيح نفسه لمرات أكثر مما يعطيه ذات الدستور الذي وضعه، وأمين عام حزب أو جمعية سياسية يظل يترشح لمنصبه هذا لعدة مرات كأنما تحول الحزب أو الجمعية إلى شركة خاصة محدودة؟.
تنبع الإشكالية الرئيسة في هذا المشهد من محنة الديمقراطية في أوطاننا العربية، وداخل التنظيمات السياسية وعدم قدرة القيادات داخل الأحزاب والجمعيات السياسية على استيعاب أن تكون بعيدة عن الفعل المباشر واتخاذ القرارات، كأنها وصي عليها، وتحولت أحزاب في بعض البلدان إلى دوائر مقفلة لأسر وعوائل بعينها دونما احترام للرأي الآخر أو تداول الأدوار والمناصب، وأصبح هناك احتكار للسلطة والقيادة لدى مجموعة معينة من الأشخاص، وكأنما حواء لم تلد غيرهم ممن يحملون رؤية ويحلمون بممارسة منفتحة وأكثر ديمقراطية.
وكثيراً ما تمارس هذه القيادات أدواراً قذرة عبر أساليب «اغتيال الشخصية»، أو كما يسميه أستاذنا الصحافي أحمد شاموق بـ«الخصاء الفكري»، لنظيراتها داخل التنظيم، خاصة أولئك الذين يتمتعون برؤية واعية ومنهجية ديمقراطية، فأمثال هؤلاء يشكلون حجر عثرة أمام ديكتاتورية هذه القيادات، لذلك دائماً تجدهم يعملون على «تقزيم» غيرهم، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، ويظل زعيم الحزب هو القائد الأوحد وصاحب الفكر الأرفع.
وتتجذر هذه الأفعال داخل التنظيمات السياسية كلما كان هناك غياب لعامل التثقيف بين كوادر التنظيم، وعدم الإيمان بالتعددية الفكرية والسياسية، وتعدد الاتجاهات والآراء داخل الحزب في إطار الفكر الواحد، الأمر الذي يؤدي وبلاشك إلى الانشقاق في وحدة التنظيم، ويجعلها غير مؤهلة لقيادة أي تغيير داخل المجتمع والدولة طالما هي لا تمارس داخلها الديمقراطية، وفاقد الشيء لا يعطيه.