ما هي إلا أيام معدودة تفصلنا عن انطلاقة النسخة المحدثة لقانون المرور البحريني، والذي أخذ نصيب الأسد خلال السنة الماضية نقاشاً وحواراً وجدالاً؛ سواء تحت قبة البرلمان أو في المجالس وحوارات الناس الثنائية والجماعية.
سمعت عنه الكثير وأنا بنفسي كتبت عما يمكن أن يتبادر إلى الذهن من امتعاض وغضب شديد لما يمكن أن يتمتع به هذا القانون من قساوة متمثلة بالعقوبات والغرامات المفروضة على المخالفين، لكن ما نشهده كل يوم من استهتار في عملية السياقة نتيجة المزاحمات على تقاطع الطرقات، باستثناء الأماكن التي توجد بها الكاميرات فيتولد الحذر ونتحسب ألا نكون فريستها في لحظة من اللحظات.
أو ما نصادفه من أحدهم عندما يكون مشغولاً بالرد على الجوال أو سارحاً في عالم من الخيال بالإعلانات المزروعة هنا وهناك أو جذبه منظراً طبيعياً أو سخيفاً كان، ليلتقط كاميرا الهاتف ويسرع بمشاركة الأهل والأصحاب من خلال أحد برامج الاتصال.
فهذه الأمور التي يدعي من يقوم بها أنه فنان أو يعتبر نفسه للحظة «سوبرمان»، فنراه للأسف فريسة أحد الأسرة البيضاء في إحدى المستشفيات، هذا إذا تغافلنا عن الأسباب الأخرى والتي من الممكن أن تؤدي إلى فقدان الحياة والعياذ بالله؛ مثل السرعة كي نصل على الوقت، خاصة إذا كان عندنا اجتماع مهم أو نخاف من خصم الراتب في حال تأخرنا على الدوام، والتهرب من عدم الالتزام بحزام الأمان، حيث يعتبره البعض عادة قديمة قد ولت مع الزمان، غير موضوع الأطفال الذين نراهم يقفزون في مؤخرة السيارة وكأنهم في مهرجان، وغيرها الكثير من المخالفات كالأم التي تضع مولودها في حضنها ناسية أن كليهما في دائرة الخطر والكثير الكثير من الأمثلة التي لا يسعها ديوان، فماذا لو كان مقالاً محدود الكلمات؟
لا أخفي عليكم أنني قررت تجربة الالتزام التام بقانون المرور بعد حضوري الجلسة التعريفية والتوعوية التي قدمها الأخصائيون من وزارة الداخلية الموقرة والمشكورون على جهودهم، خاصة بعد أن ذكروا سلسلة العقوبات الشديدة لمن لا ينوي الالتزام، والتي تصل إلى سحب رخصة السياقة أو السجن بالإضافة إلى الكم المحترم من الأموال.
لذا التزمت بحد السرعة المسموح به على جانب الطريق، وأخذت أقصى اليمين كي أعطي مجالاً للمسرعين، فشعرت أنني خارج السرب، أسير والناس تنظر إلي كأنني إنسان غريب عن هذا الكون، فهم لا يعلمون حقيقة بما سمعته عن قانون المرور الجديد وكيف أنه يعتبر كفيلم رعب لا يمكن أن تغمض عينيك منه!
فعيناك تتنقل بين عداد السرعة والساعة، وتحاول أن تعمل جهدك لتصل إلى موعدك دون تأخير، وأيضاً أن تكون جعبتك خالية من الغرامات التي من الممكن أن تعكر صفو يومك الجميل. لذا فعلى الجميع ليس فقط لقانون المرور أن يكونوا من القارئين، ولكن بعزم النية في التطبيق السريع.
ونصيحة صغيرة؛ قبل الشروع بالسياقة من الأفضل تناول «حبة دواء تهدئ الأعصاب»، وأن تضع كل توتراتك في ثلاجة وتقفلها جيداً، فكل ما تمتلكه من «تعصيب» لن يكون حليفك عندما تكون فريسة المخالفات، واعلم جيداً أن الوقت الذي تستغرقه سوف يكون مضاعفاً بكثير، لذا فعليك أن تنسى فكرة الضغط على دواسة البنزين، فقانون المرور الحديث كفيل بأن يصنع منك إنساناً أنت نفسك ستجده جديداً. وتخيل أن كل تلك البديهيات من الرد على الهاتف والكتابة والتصوير وغيرها من العشوائيات ستصبح من ذكريات الزمن الجميل. فالالتزام بالقانون لا يحمي محفظتك من نزف الدنانير؛ لكن سيحميك من صفة «مفقودي الطريق».
فليس من العيب أن نعيش في حذر ونكون لسائر تصرفاتنا من المراقبين..
الدهـــر يومـــان ذا أمــــن وذا حـــــذر
والعيـــش شطـــران ذا صفـــو وذا كـــــدر
قــــل للـــذي بصـــروف الدهــــر غيرنـــا
هـــل عانـــد الدهـــر إلا مــن لــه خطــــر؟