في اللغة، المزجى هو كل قليل رديء لا يقبله أحد. وجاء في سورة يوسف (مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة) أي قليلة مردودة، تدفع وترفض رغبة عنها لرداءتها وكسادها. وبالتأكيد لن أقول إن بضاعة الوفاق مزجاة كي لا يقال إني قلت إن بضاعتهم رديئة، ولو أنها بالفعل كذلك!
لكن، لماذا رغم قول الكثيرين إن بضاعة الوفاق مزجاة لا يزال البعض يقبلها ولا يدفعها عنه أو يرغب عنها رغم أنه يرى أنها بضاعة رديئة كاسدة لم توصله إلى شيء وتضرر منها؟
سؤال منطقي، جوابه هو أن هذا البعض إما أنه لا يستطيع أن يميز بين الجيد والرديء، وهذا بعيد عن المنطق، أو أنه يعلم بأنها بضاعة رديئة كاسدة لكنه يجد نفسه مضطراً لقبوله الأسباب مذهبية أو اجتماعية أو لعدم توفر البديل. أولئك الذين اختاروا البقاء في الخارج يعلمون جيداً أن بضاعة الوفاق مزجاة، وهم لا يترددون عن قول ذلك وفضح أحوال الوفاق ومواقفها وأسلوبها، وكثيراً ما نعتوها بالأنانية وبالانتهازية وبأنها تطمح للمكاسب الحزبية والشخصية. لكن المؤسف هو أن هؤلاء دون القدرة على إقناع المهووسين بالوفاق بما قد توصلوا إليه ولم يتمكنوا من توفير البديل المقنع، فما يطرحونه يعتبره كثيرون ممن هم في الداخل بضاعة مزجاة أيضا، خصوصا وأنهم يشعرون أن هؤلاء متميزون عنهم كونهم يعيشون بعيداً عن «المعمعة» وأبناؤهم في أمان.
بضاعة الوفاق ومن لف لفها في الداخل مزجاة، وبضاعة الذين اختاروا البقاء في الخارج مزجاة أيضاً، كلتاهما رديء وكاسد، وكلتاهما يوردان المخدوعين بهما الخسران والضياع. نعم هناك من تبين له هذا الأمر وقرر شطب كل المتاجرين في قضايا الناس، ولكن لا يزال هناك البعض الذي هو دون القدرة على اتخاذ مثل هذا القرار الذي يحتاج إلى جرأة رغم وصوله إلى قناعة بأن ما يتشبث به لا يمكن أن يوصله إلى مفيد.
ما حصل طوال السنوات الثلاث الماضيات هو أن هذه الجمعيات السياسية التي تعتبر نفسها قوى معارضة وطنية لم تتمكن من طرح برنامج وطني مقنع، وأنها بسبب فقرها وقلة حيلتها وقعت ضحية ابتزاز الداخلين الجدد إلى عالم السياسة، فلم تنتبه إلا بعد أن أحست بأن رقبتها صارت تحت سكينهم، فلم يعد أمامها سوى أن تقول ما يقولونه وتفعل ما يريدونه، فهي تعلم جيداً أنها لا تستطيع أن تثبت سواء لعلمها برداءة بضاعتها أو لضعفها ومعرفتها الأكيدة بأن أولئك هم من يمسك بتلابيب الشارع ويستطيع أن يحركه، وأن يقنعه بأن بضاعة الوفاق مزجاة.
بسبب هذا الوضع صارت الوفاق تبحث عن كل قصة مهما كانت صغيرة وتحاول الاستفادة منها لعلها تحصل على الرضى ممن صار رضاه غاية، وإن كان أقل خبرة ودراية منها، ولعلها تستمر في تضليلها للعامة الذين إن توفر لهم البديل فإنهم لن يترددوا عن إلغائها ومحوها.
للتأكد من كل ما سبق يكفي متابعة الوفاق وهي تلهث وراء قصة الشاب عبدالعزيز العبار الذي فقد حياته من أجل هدف غامض، فمنذ اتخاذ ذوي الشاب قرارهم بعدم تسلم جثته حتى يتم تغيير سبب الوفاة في شهادة وفاته، والوفاق تعمل ليل نهار على إقناع البسطاء بأنها تمتلك بضاعة جيدة، وأنها مع الحق، وأنها لا يمكن أن تتخلى عمن فقد حياته بسببها أو من أجلها. ولعل الجميع لاحظ كثرة زياراتها لوالد الشاب ولاحظ حرصها على اصطحاب الكاميرا معها لتسجيل كل حركاتها وسكناتها وصولاً إلى المستشفى الذي اضطر العبار الأب دخوله، حيث تمت زيارته من قبل بعض الوفاقيين فيه، وتم تصويرهم وهم يقومون بـ «الواجب» معه!