أتى تحويل أوباما حاملة الطائرات جورج بوش «USS George. Bush» لقاعدة سلاح طيران لنوري المالكي بحجة إيقاف «داعش» كخطاب تزكية ثاني لنجاح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بعد اجتياح الموصل قبل شهر؟ فما هو فكر داعش العسكري ونظام معركته تحديداً، والذي أخرج أوباما من التزامه الدبلوماسية في تقربه من قضايا المنطقة؟
لقد خرجت أعمال التنظيم خلال شهر من العشوائية الجهادية بانعدام الغرض والغاية العسكرية وفقدان التخطيط إلى فكر عسكري قابل للقياس، فالنزعة الفوضوية تحولت لتحركات ذات إيقاع يظهر نظام معركة «Order of Battle» داعش.
ونظام المعركة في الوحدات المقاتلة يعني هيكل القيادة والوحدات والانتشار والقوة والعتاد، فقائد التنظيم هو أبو بكر البغدادي ويعاونه أبو علي الأنباري وأبو مسلم التركماني، كانوا ضباطاً في جيش صدام حسين واستخباراته، أما البقية وهم وزراء فمعظمهم عراقيون، وتضم حقائبهم الوزارية مسؤول استقبال العرب وتأمين الانتحاريين، المسؤول الأمني العام عن التنظيم، مسؤول ملف السجناء، ومسؤولي المالية والإدارة والبريد، ويضم مكتب الحرب وهو ما يوازي رئاسة الأركان مسؤول التفخيخ، مسؤول مخازن السلاح في التنظيم، كما إن هناك محافظاً في كل محافظة عراقية.
ولم تخل بعض المناصب من جملة «قتل بأحد الاشتباكات»، واحتوت الوحدة القتالية لداعش مقاتلين عقائديين من الحروب الجهادية السابقة، وداعش من أكثر التنظيمات الجهادية عنفاً وتمرداً، وصل حد الخروج على الظواهري والقاعدة، وقد أعطاهم اندفاعهم الشخصي ما يعادلون به تفوق عدوهم عدداً وسلاحاً، لذا يعتمدون المباغتة التي ولدت مزاجاً بالسيطرة والتفوق، وهم ماكرون وأكثر وحشية من غيرهم، وينفذون معاركهم على شكل مجاميع، فكل ثلة تتكون من 10 مفارز وكل مفرزة مكونة من 3 - 5 أشخاص ولم تتعد 25 شخصاً.
تسليحهم فردي، أو قناصات دراغنوف، وقاذفات «آر بي جي»، ومتفجرات وأحزمة ناسفة وعبوات، ويتنقلون على سيارات رباعية الدفع مجهزة برشاشات ثقيلة، ثم تغير نوع تسلحهم بعد سقوط الموصل تغيراً درامياً مهولاً؛ فأصبح لديهم كل ما يملكه الجيش العراقي إلا الطائرات والسفن، لذا فالطيران هو العدو الرئيس لهم، ولذا انحصر فيه خيار أوباما، مما يجعلنا نجزم أن الأرض ستبقى لداعش لفترة ليست قصيرة، فالطيران لا يمسك الأرض والجيش العراقي أضعف من داعش.
معظم عمليات داعش محضر لها بالتجهيز وبالتدرب، وقد تطورت من «غزوات نقاط التفتيش» والهجمات بالسيارات المفخخة إلى «الاقتحامات العنيفة» وضرب الثكنات واستهداف القوات الأمنية بالعبوات الناسفة لتحقيق تفوق دعائي مرحلي وصولاً لمرحلة «قضم الأرض البطيء»، يرافقها عمليات «مسك الأرض»؛ وهي مراحل تجري حالياً، وحتى ندرك حجم عملية مسك الأرض نشير إلى أن لواء المشاة الآلي في الجيوش الحديثة، والذي يصل أفراده إلى 3 آلاف رجل على الأقل، يستطيع مسك أرض بمساحة 5 كلم ولها عمق 15 كم فقط، فكيف تمسك داعش بثلث أراضي العراق الذي مساحته 437072 كم مربع! ربما لمعرفتهم بالأرض وبالأهالي بشكل جيد وبقوة آلتهم الإعلامية التي صنعت من تطرف المالكي قضية تقنع بها الأهالي لتصبح ديارهم مناطق حاضنة إن لم تنخرط معهم في المعركة فلن تقف سلباً من داعش.
ستتراجع داعش وتفك التماس مع الأكراد تحت ضغط القصف الأمريكي، وقد توفر نهاية المماحكات السياسية في بغداد ضغطاً على داعش، وإن كان في تقديرنا أن داعش لن تغادر محطتها الفطرية الملطخة بالدماء مهما تطور فكرها العسكري، ولن يؤذن لها بدخول محطة غيرها ككتلة سياسية أو تمارس أية نوع من التفاعل غير تبديل أمشاط البنادق واحد في إثر الآخر.
أما كعب أخيل التنظيم، والذي سيقضي عليه، فهو موجود في بنيتها، ويقود إليه طرق عدة منها الانشقاق والاختراق، فأهداف داعش «بالخلافة» بعيدة عن أهداف التحركات السياسية والعسكرية لدى بقية الفصائل العراقية، حتى السنية منها، مما يوفر مغريات لبعض قادة داعش للانشقاق عن التنظيم والقنوع بعراقية الجهاد بدل إطاره الحالي الفضفاض.
وللقادة الداعشيين إرث في الانشقاق بحكم أن الجهاد بيئة صانعة للفرص، حيث انشق قادته عن النصرة وعن القاعدة، كما إن قابلية الانشقاق عالية حالياً بعد تحييد الخليجيين من تولي المناصب القيادية، أما الاختراق فلا تقل فرص نجاحه عن فرص الانشقاق، لقوة أجهزة الاستخبارات الغربية والإقليمية الغريمة لهم ولمعرفتها بهم وللتنوع المخيف لمكونات المشهد داخل المعسكر الداعشي، ولو كان «عبدالواحد خضير أحمد» المسؤول الأمني العام عن التنظيم ضابط استخبارات فذ وقادر على حماية التنظيم من الاختراق والانشقاق لاستطاع إخفاء اسمه وصورته ولما عرفناه إلا بكنيته «أبو لؤي»
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}