يقول المثل القديم «لا تصدق نصف ما تسمع ولا كل ما تراه». باعتبار أن ليس كل ما ينقل يكون حقيقياً ولا كل ما يقرأ يكون واقعياً. فلولا الخيال لما تمنينا حذاء سندريلا، ولا سرحنا في قصص شهر زاد لشهريار، ولا تعلمنا من العبر والحكم في كتاب «كليلة ودمنة». حقيقة إن هذه الأحداث تأثرنا بها وأثرت فينا، وكل ذلك يعتمد إما على الراوي وطريقته الإبداعية في السرد، أو على الكاتب وتفننه في نقل الصورة الخيالية لعقولنا. لذا فإن قصصت رواية على مجموعة من الأطفال، وبعدها طلبت منهم رسم ما ترائى في أذهانهم، لوجدتهم جميعا يشتركون في رسم الإطار العام للقصة، أما التفاصيل الدقيقة فتكون متفردة بين كل واحد منهم. هذا كان بالأمس، عندما كان الخيال هو سيد الموقف أما الآن فنحن في عصر الصوت والصورة، وليست أي صورة بل الصورة الفورية التي تصل إليك من دون فبركة ولا تزييف.
لا شك في أن كل الخوف والقلق بات يتسلل إلى قلوبنا ويتمركز بها كل يوم جراء ما نستلمه من مقاطع الفيديو التي تصور الحالة المريرة التي يمكن أن يتعرض إليها أبناؤنا في أماكن الدراسة. فأنا لن أتحدث عما قرأته منذ يومين والذي تم نشره في إحدى الصحف المحلية، فيما يخص الطالب في إحدى مدارس المحرق وما قام به الأستاذ. باعتبار أنني غير ملمة بالقصة تماماً ولا يحق لي أن أكتب فيه إلا بعد معرفتي للموضوع عن قرب، لسبب أن الموضوع أكبر من مجرد صف أحرف على الورق وكي لا أظلم أحداً وأظلم نفسي أولاً. مع يقيني أن أهل الولد يتمتعون بكثير من الوعي ولولا فظاعة الأمر لما لجأوا إلى الشرطة كما هو مذكور في المقال. ولكن ما عساي أن أقول لمقطع الفيديو الذي استلمته ويظهر بصورة واضحة كيف كان المعلم الفاضل والمربي المحترم يتعامل مع الطالب بكل أساليب الهمجية المتمثلة بالضرب والسوط حتى.
ويأتي السؤال الذي بعده؛ أين! في المسجد؟ أين؟ في بيت الله المخصص للعبادة، أين؟ في المكان الذي تجد فيه الراحة النفسية لمجرد دخولك إليه وتشعر بأمان مطلق لاستشعارك بملائكة الرحمن تحيط كل زاوية من الأرجاء.
ولا أزال أكرر وأعيد ردة فعل صديقتي معلقة على المقطع المرير: «لو أن هذا الموقف حدث مع ابني ونقله لي، فبالطبع إنني ساستنكر ما يقوله وسوف أعتبر كلامه حجة كي يتهرب من الذهاب إلى صف القرآن الكريم. لأنه بالطبع لن أتخيل أن يكون المدرس لكلمات الله عز وجل وحامل تعاليم نبيه، من الممكن أن يفكر مجرد التفكير في إهانة الآخرين فما بالنا بأبناء لم يتعد عمرهم العشر سنين!».
لكن الحقيقة المؤلمة التي تشغل حيزاً من تفكيري، هذا الطفل أو ذاك إن تمكن من الدفاع عن نفسه بنقل فقط ما تم وحدث معه، فما بالنا بالأطفال الصغار ما دون الأربع سنوات أو الذين خصهم الله عز وجل بإعاقة ما تمنعهم من التعبير والبوح عما يجري معهم. فمن هو الذي يتولى الدفاع عنهم؟ وقبل الدفاع عنهم من يمكن أن ينقل لأهلهم قبل الآخرين الأحداث التي يمكن أن يتعرضوا إليها؟ لذا فإن رسالتي إلى وزارة التربية والتعليم الموقرة وهو أنه لا بد من وضع كاميرات داخل الصفوف وذلك كي يطمئن الأهل أنهم لن يواجهوا الكوابيس الحقيقية في وضح النهار.
فرحم الله من قال:
أقدم أستاذي على نفس والدي
وإن نالني عن والدي الفضل والشرف
فذاك مربي الروح والروح جوهر
وهذا مربي الجسم والجسم كالصدف