لم يعد يخفى على أحد في البحرين مدى تذمر الناس المستمر من السلوكيات غير اللائقة التي يقوم بها بعض أصحاب المهن، والتي من المفترض أن تكون مصبوغة بالكامل باللون الإنساني، تلك السلوكيات التي تنم عن أنانية متوحشة يقوم بها الكثير من هؤلاء اللصوص الذين يتدثرون بدثار المهنية والإنسانية والخير، وهم أبعد ما يكونون عن هذه الصفات الحميدة.
إن من أبرز المهن الإنسانية العظيمة التي يقوم الإنسان على إسدائها للمجتمعات البشرية كخدمات راقية ومميزة، هي مهنة تطبيب المرضى وعلاجهم، هذه المهنة المقدسة التي من المفترض أن تكون مهنة إنسانية، تحولت بفضل الجشع المادي إلى مهنة لجمع الثروات والأموال وشراء الفلل الفاخرة والسيارات العالمية الفخمة، وامتلاك الأراضي الشاسعة. اليوم تحولت مهنة الطب إلى مصدر ثراء فاحش لأصحاب العيادات الخاصة والمستشارين، ولعل بعضهم استثمروا الأجواء السياسية المربكة في البلد، فأخذوا ينهبون المرضى بطريقة لا يشعر بهم أي أحد! هؤلاء «الأطباء التجار»، أساؤوا كثيراً للمهنة المقدسة، وجعلوا منها بوابة للثراء من دون أن ينظروا في ظروف المواطن البحريني البسيط، فلا همّ لديهم سوى كنز الأموال، وشراء العقارات والسيارات، وتدليل عيالهم عبر مدارس وجامعات خاصة، وفي العطل الصيفية لا يقنعهم السفر إلا إلى سويسرا.
نحن لسنا ضد أن يكون الطبيب ثرياً، بل نحن ضد استخدام هذه المهنة الإنسانية من أجل تحصيل الأموال الطائلة، في الوقت الذي لا يستطيع الكثير من المرضى توفير مبلغ العلاج والدواء في مشافي البحرين الخاصة بسبب تكاليفه الباهظة، والذي لا يستطيع البحريني ضعيف الدخل وحتى متوسطه من أن يقوم بسداد فاتورة زيارة واحدة لتلك العيادات التجارية.
أما حين نتحدث عن المهنة الأخرى، فهي لا تقل ألماً عند الناس من مهنة الطب، ألا وهي مهنة «المحاماة»، فهذه المهنة التي تتسم بالدفاع عن الحق، وعن كل ضعيف ضاع حقه عبر ظلم أو غيره، نجد أن غالبية المحامين لا همّ لهم ولا شغل سوى أن يكونوا من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، وبعضهم أسسوا لهم مكاتب قانونية عملاقة من خلال أموال الناس أو حتى من أموال الشركات التي يقومون بالعمل لصالحها، فوصلت أرباح بعضها لأرقام خرافية.
أما اليوم ومع انفتاح الجامعات الخاصة والعامة في ما يتعلق بدراسة القانون، فإننا نجد كل من هب ودب ممن درس القانون أصبح في اليوم التالي محامياً مخضرماً لا يشق له غبار، وهو بعد لم ينبت الشعر في ذقنه، بل هنالك اليوم من يتعمد في أن يتبنى القضايا السياسية ولو بالمجان، من أجل أن يبرز نجمه في سماء القانون و»تويتر» كمحامٍ نجم، وهذا ما أخبرني به العديد من المحامين.
محامون خارج نطاق المهنة، وبعضهم خارج نطاق الإنسانية، أما الكثير منهم فتحولوا بين عشية وضحاها ككثير من الأطباء إلى مشاريع «حصالات»، لا همّ لهم سوى جمع المال، الحلال منه والحرام.