النفر في اللغة مفردة تطلق على الثلاثة إلى العشرة من الرجال، وجمعها أنفار، وهي الفرد من الرجال ورهط الرجل وعشيرته الأدنون. جاء في القرآن الكريم (فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً). والنفر بالعامية تستخدم للتعبير عن العدد أيضاً، ويبدو أنها كذلك من ثلاثة إلى عشرة فيقال «انتوا كم نفر؟»، والغالب في العامية أن النفر تطلق على الواحد. و»نفر كبير» تعبير يبدو أنه أكثر استخداماً لدى الأجانب من الآسيويين المقيمين بيننا، حيث يقولون مثلاً «هذا نفر كبير» أي أنه ذو شأن أو شخصية لها مكانتها ويحسب لها ألف حساب.
ومع أن استخدام هذه العبارة محدود في مجتمعنا إلا أن البعض الكثير من أفراده صار يعتبر نفسه «نفر كبير»، وهذا ينطبق على «المعارضة» التي كثر فيها عدد «النفرات الكبيرات» وصار يزداد يوما بعد يوم، ما يعني أن «الخطوط الحمراء» زادت! فمن ذا الذي يستطيع تجاوز من يعتبرونه «نفر كبير»؟!
يأتيني بين الحين والآخر من يعاتبني على أنني تناولت فلاناً أو علاناً بالنقد في مقالاتي، فهؤلاء يعتبرون الأسماء التي ذكروها «نفر كبير» وبالتالي فإنهم خط أحمر ينبغي عدم تجاوزه. أقول لهم إن فلاناً الذي تعتبرونه خطاً أحمر لأنه عالم دين مثلاً أدخل نفسه في السياسة فصار شخصية عامة وصار من حق الآخرين انتقاده، وأن النقد هنا لا ينصب على شخصه، فهو يظل في كل الأحوال محترماً ولا تنتقص مكانته، ولكن النقد يتناول تصريحاته وآراءه ومواقفه السياسية. وأقول لهم إن علاناً الذي تعتبرونه أيضاً خطاً أحمر لأنه استطاع أن يتواجد في عقولكم ويرفع شعارات حقوقية مثلاً واعتبرتموه يعبر عنكم يتحدث سياسة وينشغل بها، وبالتالي صار من الطبيعي أن ينال ما قد يناله أي داخل في السياسة، عدا أنه لا يعبر عن الجميع، فالمكانة التي يحتلها في عقل البعض لا يتمتع بها في عقل الآخر الذي لا يعتبره «نفر كبير».
هم يريدون القول إن فلاناً هذا «نفر كبير» وأنه لهذا السبب ينبغي الكف عن تناوله بالنقد. هذه أحد الأخطاء التي يقع فيها العامة الذين يتم شحنهم من قبل البعض حتى يصلوا إلى اعتبار شاحنيهم ضمن المقدس الذي لا يجوز مسه من قريب أو بعيد، فهؤلاء «نفر كبير»، والنفر الكبير يكتسب حصانة تمنع الجميع من مسه بالنقد حتى لو كان من النوع الذي يعتبر تدليكاً ليس إلا!
للتأكيد؛ فإن السب لا يدخل في باب النقد، لأن السب تعبير عن قلة أدب وقلة تربية، بينما النقد يراد منه التنبيه للأخطاء لغاية تصحيحها دون أن يعني هذا أن ما يراه الناقد هو الصح.
نحن إذاً نتحدث عن ثقافة يفتقدها كثيرون في مجتمعنا هي ثقافة النقد الذي ينبغي أن نمارسه وأن نتقبله، حيث النقد لا يعني الانتقاص من الشخص موضوع النقد، وإنما مناقشة ما يقول وتبين نسبة الخطأ إلى الصواب فيه بغية تدارك الخطأ وتصحيحه بما يعود بالمنفعة على المجتمع.
باستثناء ما ينص عليه الدستور من حقوق تخص رأس الدولة، فإن النقد يطال الجميع، خصوصاً أنه يتناول الأقوال والأفعال وليس الأشخاص، فانتقاد أقوال وأفعال أي مسؤول وأي مشتغل في السياسة ليس انتقاداً لشخصه بدليل أنه لو ترك منصبه الذي يشغله حالياً لما أتى أحد على ذكره.
زبدة الكلام أنه لا يوجد بين العاملين في الشأن السياسي من يمكن أن يطلق عليه «نفر كبير»، كما أن وجود هذا العدد الكبير ممن صاروا يعتبرون أنفسهم «نفر كبير» يعني تعطيل أدوات النقد وكل تطوير في المجتمع، وهذا غير ممكن