في نقاش لنا مع أحد الإخوة ونحن نستعرض الوجوه المتقدمة للترشيح، والتي بعضها لا يصلح حتى لمجلس شعبي، قال لنا: «من أجل الفلوس من الممكن للإنسان أن يفعل أي شيء؛ من الممكن أن يبيع دينه وضميره وأخلاقه مقابل الوصول وضمان راتب مدى الحياة وامتيازات لم يكن ليحصل عليها لو أفنى عمره يعمل ويكدح».كل الكلام الذي ذكره الأخ الفاضل كان مصيباً فيه، فقلنا له.. قد تكون محقاً، لكن لو نظرنا إلى الموضوع بنظرة أوسع وأشمل وعلى مدى أبعد من هذا الأفق لتساءلنا؛ ألا يفكر هؤلاء وهم يتجولون في الأحياء ويحاولون كسب الناخبين بأية طريقة، حتى ولو بتوزيع الرشاوى، أن الله لعن الراشي والمرتشي؟ وأن وراءهم حساباً عسيراً يوم القيامة؟ إن منصب «نائب» سيغدو يوم القيامة منصباً تافهاً، ولا شيء أمام فاتورة الحساب الطويلة التي ستنتظرهم، فإلى جانب محاسبتهم من ناحية خدمة الوطن التي لم ينجزوها والإخلاص له واتقاء الله، هناك محاسبة على كل شخص صوت لهم ولم يخدموه أو يعملوا لأجله، فهم مساءلون عن عدد لا يستهان به من الناس و»في رقبتهم»، بل الأدهى أنه سيحاسب أيضاً على إشغال مكان لإنسان آخر قد يكون ذا كفاءة وقادراً على خدمة الناس وظلمه بما فعله، بمعنى آخر، إن كان يعلم أنه لا يستطيع خدمة الناس، ورغم ذلك يصر على الوصول، فهو أيضاً يعطل مصالح الأهالي والدائرة لمدة أربع سنوات قادمة، أربع سنوات بأيامها ولياليها، إن فاتورة حسابه ستكون طويلة جداً جداً. فرد عليّ: «قد يكون عذره أنه سيحاول، لكنه لم يستطع فعل شيء داخل المجلس» فقاطعناه.. هذا كلام غير مقبول؛ فمن البداية هو يعرف إمكانياته وقدراته، وبين كل مترشح ونفسه يعلم تماماً نيته ودوافعه وما بإمكانه أن يفعله لأجل من سيصوت له، وإن كان هو يعلم من البداية ذلك فلمَ تقدم للترشيح أصلاً؟ إن العذر بعدم التجاوب الحكومي مع المشاريع النيابية «عذر أطفال»، فإن كان يعلم حدود صلاحيات المجلس فليحترم نفسه ولا يقدم وعوداً لن ينجزها ولا تدخل بالأصل في اختصاصات مهامه كنائب، فرد ساخراً: «ومن يعاف الفلوس والوجاهة ويفكر بهالطريقة في هالوقت أصلاً؟». رسالتنا الخاصة من هذا المنبر إلى كل مرشح، سواء كان نيابياً أو بلدياً، بإخلاص النية لله، ومراجعة ضميره الداخلي و»صحصحة الحق» في نفسه وإيثار الوطن ومصلحة الأهالي على نفسه والنظر بنظرة أكثر شمولية وإدراك أن كل هذه الوجاهة الدنيوية لا شيء أمام الوجاهة وامتيازات الآخرة، والتي لن يحصلها إلا كل مسلم مؤمن أمين صادق الوعد مخلص النية، يعمل لأجل خدمة دينه ووطنه والناس من أجل الله والخير، بعيداً عن ظلم الآخرين وإسقاطهم لأجل الوصول لمجرد الوصول، فمن يأخذ حق الآخرين ويظلمهم يأخذ الله بحق هؤلاء يوم القيامة منه، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا حتى منصب لن يدوم أكثر من أربع سنوات.كلمة حق؛ مرشح راقص أو مرشحة توصل الأطفال إلى المدارس بالتأكيد لن يجيدا استخدام الأدوات البرلمانية من تشريع ورقابة، وهناك حاجة لاحترام مبادىء الدين قبل احترام العقول. هناك أيضاً مسألة ينبغي على كل مرشح الانتباه لها وهي تشتيت الأصوات، فالمرشح الذي دخل الانتخابات لأجل الترشح وحسب وتوضع إعلاناته وصوره بكل مكان ويبرز اسمه، وهو يدري أنه لن ينجح أصلاً، عليه أن يراجع ضميره قليلاً، وأن يدرك بأن مجرد ترشحه وعذر اقتناعه أنه لن يصل لا يخليه من مسؤولية ما، سيتسبب بتشتت أصوات مرشحين آخرين قد يكونون على كفاءة، ومن ثم تتحول كفة الفوز إلى مترشح ثالث قد لا يكون مناسباً لتمثيل أهالي المنطقة، فتصبح في «ذمته ورقبته» ما فعله من أجل مصلحة دنيوية زائلة، لذا فـ «مرشح الشو» الذي «يعرف حق روحه ويدرك حجم حظوظه الانتخابية المتواضعة» وترشح لأجل أن «يكحل عينه» فقط بصوره على مداخل «فريجه وشوارع منطقته»؛ فليعمل جاهداً في عقد التحالفات مع المترشحين ذوي الكفاءة لتحويل أصواته إليهم والذين بإمكانهم العمل والإنجاز، بدل ما يفعل من تشتيت الأصوات والتأثير على حظوظ المترشحين الآخرين ذوي الكفاءة والمؤهلات، وأن يمارس الإيثار من أجل المصلحة العامة، فالإحراج الدنيوي أفضل بكثير من الإحراج بالآخرة.كلمة أخيرة نوجهها لجميع المترشحين بأهمية الحرص على اتقاء الله ومراعاة «الذمة والضمير»، والأبعاد الكبيرة المرتبطة بقرار ترشحه وإصراره على الوصول، فالعمل في مجلس النواب والمجالس البلدية يدخل في تاريخ تجربة البحرين الديمقراطية والبرلمانية، ومن لا يتق الله ولا يراع كل هذا يتسببْ بالتأثير في تاريخ وطنه وتاريخ العمل للناس وخدمتهم، وتكوين صورة عن سمعة نوابنا أمام أنظار العالم المتجه إلى مملكة البحرين خلال هذه الفترة، وكل هذا يدخل أيضاً في فاتورة الحساب بالآخرة التي ستنتظره، والله ولي التوفيق.- إحساس عابر.. الحياة مثل السوبر ماركت؛ تتجول فيه وتأخذ ما يطيب لك من المعروض، ولكن تذكر بأن الحساب أمامك، وستدفع ثمن كل شيء أخذته في النهاية.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90