مما لاشك فيه أن المرأة في مجتمعنا العربي قد واجهت عراقيل وعقبات أمام مسيرتها في العمل المجتمعي بسبب عوامل عدة؛ كالموروثات الثقافية والتنشئة الاجتماعية الأبوية، والذي يضع الرجل في مرتبة أعلى من المرأة، علاوة على الصورة السلبية التي روجت عن المرأة ومازالت تروج لها في وسائل الإعلام من خلال المواد الدرامية، والتي ترسم صورة للمرأة تؤثر على الثقة في قدراتها على التأثير الإيجابي في مجتمعاتها على المستوى العام.
إن بروز الدعوة لتحرير المرأة وأهمية دورها في عالمنا العربي لم يتأخر كثيراً عن تلك الدعوات المشابهة، والتي أطلقت عالمياً، فإذا كان مؤتمر Sensk Fuls أول مؤتمر للنساء والمطالبة بحقوقهن عام 1848، فقد ظهرت الكتابات العربية المناشدة بحقوق المرأة وأهمية دورها المجتمعي من خلال كتابات قاسم أمين عام 1899، ودعمه في ذلك عدداً من النخب العربية أمثال محمد عبده وأحمد لطفي السيد وغيرهم، وعلى هذا فإن الدعوة لتحرير المرأة العربية كانت مبكرة مقارنة بواقع المرأة الحالي في عالمنا العربي، والذي لم يستطع حتى وقتنا الحالي اللحاق بواقعها على المستوى العالمي.
المجلس الأعلى للمرأة
لكن لحسن الحظ؛ قاد ظهور صحوة رسمية ومجتمعية في العالم العربي خلال العقود الأخيرة إلى دعم الاهتمام بدور المرأة في الحياة المجتمعية والسياسية والتوعية بأهمية هذا الدور، وانقسمت آليات هذا الدعم والتي أعطت للمرأة دفعة قوية إلى عدة محاور؛ أولها على المستوى الرسمي، والذي كان أبرز ثماره في مملكة البحرين المجلس الأعلى للمرأة، فبظهوره عام 2001 تحت رئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة وبتبعيته المباشرة لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين المفدى، اعتبر ذلك بداية حقيقية نابضة بالحيوية وأعطت للمرأة دعماً رسمياً ومخططاً له ساهم في حشد الدعم لها من جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية، علاوة على سعيه لحل المشكلات الاجتماعية للمرأة وسد منابع النقص ورفع العقبات أمام المرأة البحرينية، وذلك عبر سلسلة من البرامج التي ساهمت في تمكين المرأة سواء كان ذلك اقتصادياً من خلال دعم استقلالها الاقتصادي وتنمية الثقة المجتمعية فيها، أو من خلال التمكين السياسي لها عبر سلسة من الآليات كاعتماد الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية وبرنامج التمكين السياسي للمرأة البحرينية، ودعم مشاركتها في الانتخابات النيابية والبلدية بدءًا من انتخابات 2002 تحت شعار «معاً نبني الوطن»، والذي يعد من أقوى الخطوات النظامية التي أخذت بيد المرأة البحرينية للدخول للحياة السياسية وتقديم الدعم الفني والتدريب العملي المكثف لها، وكانت أولى ثماره ترشح 18 سيدة من أصل 68 نالوا ذلك الدعم والتدريب من المجلس، ثم توجت بدخول أربع سيدات البرلمان علاوة على سلسلة من الجوائز والتي صدرت منذ عام 2004 من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة لتمكين المرأة البحرينية، عبر إعطاء جوائز لأفضل الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة المتميزة في دعم وتمكين المرأة العاملة في البحرين، أو الجوائز التي تعطي لأفضل جمعية سياسية وأخرى مهنية تسهم في تعزيز دور المرأة في العمل المجتمعي ومؤسسات المجتمع المدني، علاوة على تكريم المرأة البحرينية بالأوسمة الملكية، والدفع باتجاه اعتماد مبدأ التمييز الإيجابي كوسيلة عملية للإسراع في القضاء على التمييز ضد المرأة ولزيادة نسبة تمثيلها.
ورغم أن المجلس الأعلى للمرأة أبرز مؤسسات المجتمع المدني التي دافعت عن حقوق المرأة وكان سبيلاً لتمهيد طريق المرأة في العمل العام؛ إلا أنه لم يكن الرافد الأوحد الذي دعم حقوق المرأة على المستوى الرسمي؛ بل أيضاً دستور مملكة البحرين لعام 2002، والذي جاء مؤيداً لتلك القضية ومقراً بحقوق المرأة وحامياً إياها من كافة أشكال التمييز، وكافلاً لها التوفيق بين واجباتها نحو أسرتها وعملها في المجتمع، علاوة على حزمة من القوانين التي ساهمت في حل مشكلات المرأة الاجتماعية التي قد تؤثر على عملها العام كالقانون رقم 12 لسنة 2004 والقانون رقم 40 لسنة 2005 والقانون رقم 19 لسنة 2009، علاوة على التزام مملكة البحرين بالمواثيق والاتفاقات الدولية في مجال النهوض بالمرأة ومنها اتفاقية (السيداو ومنهاج عمل بيجن).
دور المؤسسات الأهلية
أيضاً ما يدعو للتفاؤل بروز دور واضح للمؤسسات الأهلية والقطاع الخاص في دعم المرأة، علاوة على شيوع الفكر الداعم للمرأة في المجتمع البحريني وانحسار معدلات الأمية بين النساء في المملكة، وقد ساهمت تلك الخطوات في إضاءة الطريق أمام المرأة البحرينية للمشاركة الفعالة في الحياة السياسية، وهو ما أصبح رأي العين في الانتخابات الحالية، والتي زاد فيها عدد المرشحات بشكل لافت للانتباه، وهو ما يؤشر إلى نمو الوعي السياسي لدى المرأة البحرينية بجانب المزيد من الثقة التي أصبحت تتمتع بها المرأة، ويعكس رغبتها في المشاركة في رسم واقع ومستقبل مجتمعها.
بل إنه من اللافت للانتباه أن النساء المشاركات تنوعت أعمارهن -وإن برزت المشاركات من النساء الشابات- وهو ما يعطي دلالات تبعث على التفاؤل لأنه يبشر بمستقبل أفضل للمرأة البحرينية نتيجة ظهور كوادر جديدة فاعلة من الشابات اللواتي يمكنهن التأثير في مستقبل بلدهن، علاوة على أن ساحة العمل النسائي في المجتمع البحريني بدأت تفرز كوادر جديدة وتوفر البيئة لتواصل الأجيال وتبادل الخبرات.
المرأة والقضايا الوطنية
أيضاً من الظواهر التي تستدعي التوقف عندها وتأملها بل ورفع القبعات للمرشحات في هذه الانتخابات من أجلها؛ إن المحلل للشعارات الانتخابية للمرشحات يجدهن شديدات الاهتمام بالقضايا المجتمعية، ولا يرفعن شعارات مرتبطة بقضايا المرأة -إلا فيما ندر- بل إن عدد الرجال الذين رفعوا شعارات مرتبطة بقضايا المرأة ومنادية بمزيد من الحقوق لها كانوا الأكثر عدداً، في حين نجد أن أكثر النساء مشغولات بالقضايا المجتمعية؛ فمنهن من اهتم بالتنمية الاقتصادية وحل المشكلات الاجتماعية ومنها العمل على تشجيع الاستثمار للحد من البطالة، والتركيز على إيجاد مسكن كريم يليق بالمواطنة البحرينية والتقليل من الأعباء المعيشية. وكثيراً منهن من ركز في الشعارات على الوحدة الوطنية والقضايا الاجتماعية والخدمية، وهذا ليس بغريب على المرأة البحرينية بل إنه جزء من موروثها التاريخي والذي تحملت فيه أعباء الحياة ورعاية أسرتها أثناء انشغال الرجال لأسابيع عدة بصيد اللؤلؤ، كما إن الموروث الثقافي للمرأة العربية عاماً قد ساهم في بروز هذه الظاهرة، تلك المرأة المهتمة بمن حولها شديدة الإحساس بقضاياهم مساهمة في دفع عجلة مجتمعها الصغير (الأسرة) للنمو وهو ما دعا لظهور عدد كبير من الأمثلة الشعبية المعبرة عن ذلك على شاكلة وراء كل رجل عظيم امرأة.
التعدد والتنوع
ومن اللافت للنظر أيضاً تنوع الدرجات التعليمية والأكاديمية للمرشحات في الانتخابات الحالية، وهو ما يشير إلى أن الاهتمام بالعمل السياسي لم يعد قاصراً على نخبة محدودة، بل امتد لشرائح مجتمعية وتعليمية متباينة، وهو أحد الإيجابيات، بل يعد أحد النجاحات المرتبطة بهذه الانتخابات. وانعكاساً للاهتمام الشامل بأهمية مشاركة المرأة في الحياة السياسية. مما جعل المجتمع عامة والنساء على مختلف شرائحهن مؤمنات بهذه القضية، وهو ما يرمي بظلاله الإيجابية على هذه الانتخابات البرلمانية، حيث إن مشاركة المرأة السياسية تعد أحد أشكال الاستفادة المثلى من الطاقات البشرية في المجتمع، علاوة على أنها تسهم في توسيع قاعدة المشاركة لتشمل كافة قضايا المجتمع وتسهم في إضفاء الشرعية على المؤسسات التمثيلية والتنفيذية مما يعطي لها قوة نابعة من قدرتها التمثيلية ومستندة إلى الخيار الديمقراطي، علاوة على أنه يسهم في تعزيز مبدأ المواطنة بشقيها الحقوق والواجبات، وبالتالي يعزز من مبدأ الانتماء والانحياز لمصلحة الوطن ككل.
المشاركة النسائية.. واجب
ولكننا في حديثنا عن المشاركة السياسية للمرأة من الضروري أن نلفت إلى أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية لا ترتبط فقط بترشحها في الانتخابات؛ بل أيضاً في مشاركتها في العمل على توعية المجتمع بأهمية الانتخابات وحث أفراد أسرتها ومن حولها على المشاركة فيها وبدراسة برامج المرشحين السياسيين بعناية وأيضاً بالمشاركة المباشرة في الاقتراع، حيث تمر المشاركة السياسية بمستويات متعددة تبدأ بالاهتمام بالشأن العام أو السياسي وتتطور إلى الانخراط السياسي، وتتحول إلى القيام بنشاط سياسي نتيجة الوعي بضرورة تحمل المسؤوليات السياسية وتعاطي النشاطات السياسية. وتنتهي بقرار أن تشارك المرأة في الحياة السياسية إما من خلال الترشح في الانتخابات، حيث تقرر خوض معترك الحياة السياسية بنفسها والعمل من داخل المطبخ السياسي أو من خلال مشاركتها كناخبة.
وفي النهاية فإن قرار المرأة بأن تشارك في العملية الانتخابية الحالية بالإدلاء بصوتها كناخبة واعية يكاد يسبق في أهميته كونها مرشحة، ذلك لأن كثافة التصويت النسائي في الانتخابات والإسهام الفاعل فيها والإقبال الضخم على الصناديق الانتخابية تسهم في جعل قضاياها تحتل ترتيبات متقدمة في أجندة المرشحين سواء أكانوا نساء أم رجالاً، فالكتلة التصويتية للمرأة حين تزداد يسهم ذلك في دفع قضايا المرأة في مقدمة الأجندة السياسية، ويشعر الفائزون بحجم تأثيرها في فوز المرشح أو عدم فوزه، علاوة على أن رؤيتها في التعامل مع وحل قضايا المجتمع ستحظى باهتمام واحترام كبيرين؛ منهم وهو ما يفعل الدور السياسي للمرأة بشكل أكبر ويجعلها فاعلاً قادراً على التأثير في حاضر ومستقبل وطنها، فمشاركة النساء وبكثافة كناخبات يسهم في دعم التجربة الديمقراطية التي تتميز بها البحرين مقارنة بكل دول المنطقة وتكون دفعة وخطوة جديدة للأمام في مسيرة المرأة، فعندما يرى العالم الحشود النسائية في كثافة التصويت في هذه الانتخابات عندها نقول إن وراء كل وطن عظيم سيدات واعيات فاعلات مهمومات بقضايا وطنهن ومؤمنات بواجبهن الوطني تجاهه.
أستاذ الإعلام المساعد بالجامعة الأهلية