يتفطر قلبي حين تبكي أم عجزها عن مساعدة ابنها ولا تعرف أين تولي بوجهها وإلى من تشكو غير الله سبحانه وتعالى، ولي تجارب عديدة معهن في اتصالات لا تنقطع بيني وبين أمهات بل حتى أخوات لسجناء محكومين بقضايا المخدرات يتصلون بي وهم يبكون بكاء لا أحتمله يخشون على أبنائهم وإخوتهم وهم داخل السجن يقضون فترة العقوبة التي تمتد عند كثير منهم إلى أكثر من عشر سنوات، يبكونهم خوفاً عليهم من أن يموتوا بجرعة زائدة وهم داخل السجن!!
أبناء أسر كريمة وعوائل فقدوا كل شيء نتيجة أخطاء من الصعب إصلاحها ومن الصعب تحمل نتائجها.
فإذا كانت العقوبة بسبب تعاطيه أو متاجرته بالمخدرات فالأمهات يقلن لي لا حول ولا قوة رضينا بهذه العقوبة مقابل أن يتعافى أبناؤنا بعد حرمانهم من هذه الآفة، حتى لو امتدت فترة العقوبة إلى عشر سنوات رضينا بهذا الحكم، إنما فما الفائدة من هذه العقوبة والمخدرات موجودة داخل السجن؟ ما الفائدة من حبسه وحرمانه من أهله وذويه إن كان التداول والتعاطي مع المخدرات سيستمر حتى بعد حبسه؟
بين إدارة مكافحة المخدرات وإدارة التظلمات وإدارة السجون تضيع الحسبة وتضيع المسؤولية والكل يقر بوجودها ويعترف بها، والكل يبذل جهده إنما قد يكون الجهد ربما بمعزل عن الآخر ربما بدون تنسيق أو أن هناك خللاً ما جعلهم يتقاذفون المسؤوليات لتستمر المأساة وتتكرر منذ سنوات دون حل لها.
الكل ينحي باللائمة على «الزوار» فهم الذين يتفتق ذهنهم عن أفكار إبداعية لتهريب المخدرات بالتعاون مع المساجين، فمنهم من يضعها في نعاله ويتبادل النعال مع السجين وقت الزيارة وهناك زوجة وضعت المخدرات في فمها وأعطتها لزوجها وهي تقبله في الزيارة، وهناك ملابس تحشى بالمخدرات وتعطى للسجين، وهناك من «يتمارض» كي يودع في المستشفى لأن التفتيش هناك أخف فيستطيع أن يمرر بعض الجرعات والكبسولات، بل إن أحدهم وضع الكبسولة في دبره حتى يدخلها السجن، بعضهم حقن البرتقال بها، تلك بعض الحيل التي تسمعها من الدوائر الثلاث المشرفة على سجناء المخدرات، في ماراثون التفتيش والرقابة الذي يجري بين الأمن وبين أهالي السجناء الذين يكونون أحياناً جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل.
سألت إذا كان التهريب مشكلة فلم لا يوضع حاجز زجاجي بين الزوار ونزيل قضايا المخدرات حتى تحد من عمليات وحيل التهريب؟ أجابوا أن جماعة حقوق الإنسان منعت الحاجز الزجاجي، هل تقف ضمانات حقوق السجين حائلاً أمام قيام رجال الأمن بواجباتهم في حفظ الأمن واستقراره؟ بعضهم يقول نعم.
طيب، أليس وارداً وجود فساد بين ضباط السجن كاحتمال؟ الإجابة تأتيك، نعم وارد.. ألا يخاف السجناء التبليغ عن أمثال هؤلاء الضباط؟ نعم، إذاً كيف تحمونهم؟ إدارة التظلمات تقول إن مسؤوليتنا حماية السجين الذي يبلغ عن أي مخالفات تجري داخل السجن، لكن الثقة إلى الآن غير متوفرة وتحتاج لوقت.
إنها مأساة حقيقية أن أحكم على إنسان عشر سنوات لمنعه من ارتكاب جريمة ثم أدع تلك الجريمة ترتكب في حبسه يومياً وتحت إشراف من حبسه وقيد حريته.
لا أحمل طرفاً المسؤولية دون الآخر، إنما لا بد أن تبذل وزارة الداخلية جهدها لإيجاد حل لوجود المخدرات داخل السجن، علينا ألا ننسى أن الهدف الأول الذي من أجله تم الحكم على هؤلاء السجناء، وهو حماية المجتمع من هذه الآفة بما فيهم المحكوم عليهم، ويكفي معاناة أسرهم خاصة الأمهات من فقدانهم أبناءهم فنزيدها عبئاً برؤيتهم لأبنائهم يموتون رغم كونهم تحت إشراف الدولة ورعايتها قسراً وتقف الأم عاجزة، فإذا كانت جهة العقاب هي التي ترتكب الجرم فلمن تشكو؟!