يومان فقط وينتهي العام الميلادي الحالي ويحل محله عام جديد يأمل كل واحد منا أن يكون عام خير وبركة عليه وعلى أهله ووطنه. اليوم وغداً فقط ونترك كل ما احتواه هذا العام من طيب وسيء للتاريخ ليتعامل معه بطريقته وليتيح من ثم لنا الاستفادة منه بطريقة أو بأخرى. بعض أحداث العام الحالي سهل نسيانها فهي قليلة القيمة أو محدودة الضرر، وبعضها يصعب محوها من الذاكرة، خصوصاً تلك التي عرضت الوطن للمخاطر والقلق. لا نحب لوطننا أن يعاني في العام الجديد كما عانى في الأعوام الأربعة الأخيرة والتي يؤرخ لبدايتها بأحداث 14 فبراير 2011 ، فما احتوته تلك الأعوام من تجاوزات ينبغي وقفها، وهو دور منوط بكل مواطن، ومهمة، المعنيان بها مباشرة هما الحكومة و»المعارضة»، ذلك أن إغلاق ملف تلك التجاوزات ليست مسؤولية الحكومة فقط، بل إنه لا يمكن للحكومة وحدها أن تغلق ذلك الملف. في السنوات الأربع حدثت أخطاء وتجاوزات وتضرر الجميع من دون استثناء، بل وصل الحال إلى أن انقسم مجتمعنا إلى قسمين، بعد أن أوجدت فيه تلك الأحداث ذلك الشرخ الكريه الذي يحتاج إلى سنين طويلة كي يلتئم. من يحب هذا الوطن عليه ألا يستمر في التفرج، فيعمل بكل ما أوتي من قدرات على لم الشمل وإطفاء الحرائق الصغيرة التي يتم إشعالها هنا وهناك بغية بقاء الوضع على ما هو عليه. إن بعض الأمور سهل تجاوزها واعتبارها من الماضي، فلنتجاوزها لأن هذا يعين على التفكر في سبل تجاوز الملفات الصعبة والكبيرة.لنضع لنا في العام الجديد هدفاً، نتفق على أن ننتهي من كل ملف الآلام هذا في تاريخ محدد لنتفرغ جميعاً لخدمة وطننا، حيث الاستمرار في الوضع الذي صرنا فيه يعني استمرار تعطل مصالح وطننا ومساعدة أعدائه ليكون في آخر الصف. لا بد من أن نصل جميعاً إلى قناعة مفادها أن مواصلة السير في هذا الطريق لا نتيجة له سوى تدمير هذا الوطن وتخلفنا. بعد تجربة السنوات الأربع هذه صار علينا أن ندرك أنه لا يمكن لطرف من أطراف الصراع أن ينتصر على الآخر، بل إن هزيمة هذا الطرف هو هزيمة للطرف المنتصر، لأن الأطراف كلها في نهاية الأمر واحد. تمكن الحكومة من هزيمة «المعارضة» هزيمة لها وليس انتصاراً، وانتصار «المعارضة» هزيمة لها وليس انتصاراً. مسألة الانتصار والهزيمة هنا لا قيمة لها ولا أهمية. هذه حقيقة علينا أن ندركها جيداً ونؤمن بها.من هنا صار مهماً تعديل الرؤى والمفاهيم، ففي مثل الحال التي صرنا فيها لا يمكن لطرف أن ينتصر مهما فعل، ولا يمكن لطرف أن يكون هو المهزوم وإن أراد. استمرارنا فيما نحن فيه هزيمة لنا جميعاً، وتمكننا من طي ملف الأحداث انتصار لنا جميعاً. لـ «المعارضة» مطالب محددة تسعى إلى تحقيقها، وهذا حقها، ولكن المبالغة في الإصرار عليها واعتبار عدم تحققها اليوم مسألة لا يمحيها إلا الدم يعتبر تعدياً على الدولة. وللدولة كيان وأساسات لا تسمح لأحد بتخطيها، وهذا حقها، ولكن المبالغة في الإصرار على تقليم أظافر كل من يفعل ذلك أو حتى يفكر فيه قد يدخل في باب التعدي على الحقوق ولا يليق بها، لأنها تكون قد ساوت نفسها بمجموعة هي في كل الأحوال خاضعة لها. اليوم لا خيار لنا سوى أن نعمل على خطين في آن واحد، نتعاون على إغلاق تلك الملفات، ونتكاتف لنقف صفاً واحداً في وجه المخاطر التي تحيق بنا وتهدد وجودنا جميعاً.