أسالت أحداث عام 2014 الأمنية الخليجية الكثير من الحبر، فدول الخليج القابعة على تخوم المشهد الدامي المتشكل خلف بوابات الفوضى بسوريا والعراق وليبيا واليمن، مازالت تنتظر المآلات المأسوية لو فشل العالم في وقف الفوضى هناك، حيث لا قبل لدول الخليج منفردة بالوقوف ضد من يحاول انتهاك حرمة عيشهم المشترك.
ويعد عام 2014 الأكثر سخونة في الخليج مقارنة بالأعوام الخمس الماضية. فقد حدثت الاستدارة الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران مغلفة بأوراق السياسة الخارجية العمانية التي تحولت ببراعة من دبلوماسية العزلة إلى دبلوماسية المصالحات الكبرى. وإبان فترة الحيرة الخليجية أمام هذه التحولات الحادة أفرغ الأشقاء شحنة غضبهم فيما بينهم، واهتزت الأرض بفعل أزمة سحب السفراء، والمصالحات الخليجية المرهقة. ثم عاد السفراء بعد أن شقت هذه الأزمة في الأرض الخليجية مجرى قد تعود إليه مياه الخلافات مجدداً. لقد كان من الأحداث الاستراتيجية الهامة زيارة الشيخ صباح الأحمد طهران كذراع خليجية ممدودة بالصداقة والسلام تجاه نظام الحكم الجديد على ضفة الخليج الأخرى، لكن الصورة لم تتغير، ولاتزال معقدة، أكثر مما سبق فيما يتعلق بالمفاوضات بين طهران وبين مجموعة دول «5+1» لرسم حدود لبرنامجها النووي المثير للجدل. وقد أثبتت أحداث عام 2014 بما لا يدع مجالاً للشك أن إيران تدير سياستها الخارجية بناء على نظرية «تأثير الفراشة The butterfly effect» فضربات أجنحة فراشة في تكساس، قد تخلق الأعاصير في بحر الصين، حيث ربطت طهران، وبسلك واحد، قــرارات المالكي في العراق، مع تحركـــات «حزب الله» في سوريا، وتقدم الحوثيين في اليمن. لكن الأمر الجيد للخليجيين كان سقوط حكم المالكي في بغداد، وهو إنجاز خليجي لم يمنعهم من الاحتفال به إلا النهي عن إظهار الشماتة. ثم حدث انخفاض أسعار النفط الذي حقق توفيراً في نفقات تزويد الأساطيل والطائرات والآلة العسكرية الغربية بالوقود، لكنه من جهة أخرى أسهم في تقليص مشتريات دول الخليج من الأسلحة لانكماش الميزانيات. ولعل ذلك الانكماش هو ما جعل دول الخليج تعيد النظر في حجم حماسها بالانخراط في الحملة الجوية لحرب تنظيم الدولة الإسلامية «داعش». ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد كانت تحركات الدولة الإسلامية «داعش» وقوداً محركاً للعديد من الأحداث الخليجية خلال عام 2014. بل إن إنشاء جهاز شرطة خليجي مقره أبوظبي يعود إلى الرغبة في توحيد الجهود الخليجية لمكافحة فكر وتحركات الفئات الضالة كـ «داعش» وغيرها، وهي التي دفعت إيران للقيام بمناورات عسكرية كبيرة تحت مسمى «محمد رسول الله» لمدة 6 أيام، لتثبت أنها مازالت حاضرة وبقوة في المشهد الإقليمي رغم تبعات انخفاض أسعار النفط وضربات «داعش» لحلفاء إيران في العراق وسوريا.
لقـــد شكلــــت دول مجلــس التعـــاون القيــادة العسكريـــة الموحدة كخطوة للرقي بالأمن الجماعي، لكن ذلك لم يحــل دون توسع الجهود الخليجية الفرعيـــة حيث وقعت قطـــر عقداً لتعزيز منظومة القيادة والسيطرة للقوات المسلحة. ووقعت مذكرة تفاهم للتعاون العسكري مع السودان. وتأسيس اللجنة الاستراتيجية العليا مع تركيا. كما أقرت الإمارات التجنيد الإلزامي، ووقعت اتفاقـــاً لتعزيــز العلاقــات فــي المجـــالات العسكرية والأمنية مع الصومال، وآخر للتعاون العسكري مع المغرب. وتوصلــت مملكــة البحريــن إلــى اتفـاق مع بريطانيا بشأن توسعة المنشآت العسكرية البحرية البريطانية. ووصل «المارينز» إلى الكويت ليكونوا قرب الأحداث بناء على «استراتيجية زنبق الماء» كما وقعت الكويت اتفاقية تعاون عسكري مع مصر.
لا يمكن تجاوز ملاحظة النزعة الفوضوية التي طبعت الأحداث الأمنية في الخليج، وفي الوقت نفسه لا يمكن إنكار أن لبعض دول مجلس التعاون القدرة على خلق مناخات استراتيجية تستحق الإشادة. وسيكون حصاد 2014 مرتبطاً بما سيتحقق من لعب الخليجيين بعملية خفض أسعار النفط.
* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج