في كل بلدان العالم تقوم الجهات الأمنية باستدعـاء ممثلــــي «المعارضــــة» فيهـــا والتحقيق معهم وتحويلهم إلى النيابة العامة ومحاكمتهم متى استدعى الأمر ذلك، وتسير الحياة طبيعية وكأن شيئاً لم يحدث، إلا في البحرين التي تعتبر «المعارضة» أن على رأسها ريشة، وأن مجرد استدعاء أمين عام الوفاق يعتبر تجاوزاً للخطوط الحمراء، ولعباً بالنار، وفتنة ما كان ينبغي من الحكومة أن تشعلها، وتهوراً.
في اليومين الماضيين تم استدعاء أمين عام الوفاق للتحقيق، ونسبت إليه تهم معينة، وتم تحويله إلى النيابة العامة. إجراء عادي بل أكثر من عادي ظلت «المعارضة» نفسها تطالب به طويلاً، عدا أنه من حق الدولة أن تحقق مع مواطنيها وتنظر في الاتهامات المنسوبة إليهم. وفي هذا لا فرق بين سين وصاد، ولا بين الوفاق وأي جمعية سياسية أخرى.
مباشرة بعد استدعائه بدأت الماكينة الإعلامية الضاغطة بالعمل لدفع الحكومة إلى التراجع عن هذه الخطوة وتم تحريك الشارع بتلك المظاهرات الصغيرة ونشر صورها، واستجلبت التصريحات المليئة بالتهديد والوعيد من هنا وهناك بغية توسيع رقعة المشكلة، فإلى جانب تصريح مساعد الأمين العام للجمعية خليل المرزوق واعتباره الأمر «تصعيداً خطيراً جداً ويستهدف العمل السياسي برمته»، اعتبره زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر «ذا وقع وصدمة كبيرة وتكميماً للأصوات المعارضة وأن هذا لا يعني إلا الظلم والديكتاتورية بعينها»، بينما حمل مسؤول لبناني سابق الحكومة مسؤولية ما سيترتب على خطوتها، وهكذا لم يبق أحد، إلا وتم توظيف واستغلال كل كلمة قالها وكل بيان أصدره.
من يعمل في السياسة يعرف أن الإجراء الذي أقدمت عليه الدولة طبيعي، وأن كل مواطن يمكن أن يتعرض لمثل هذا الإجراء، فما الغريب في استدعاء أمين عام الوفاق والتحقيق معه، وتحويله إلى النيابة العامة، وحجزه ومحاكمته وسجنه؟ طالما أن كل هذه الخطوات تتم وفق القانون، فما الضير؟
الاعتقاد بأن «فلان وعلان» لأنه يشغل المنصب الفلاني أو الوظيفة العلانية فوق القانون اعتقاد خاطئ، فأمين عام الوفاق حاله حال غيره، بل على العكس، هو اليوم شخصية عامة، وبالتالي فإنه مسؤول عن كل كلمة تصدر منه، وكل تصريح، فمن يشغل مثل هذه المناصب «القيادية» في الجمعيات السياسية يعني أن يمكنه التأثير في الجمهور مهما كان محدوداً، بمعني أنه يمكن بتصريح واحد غير مدروس أن يشعل فتنة تطول وتزيد المجتمع انقساماً وفوضى.
كثيرون ظلوا يتساءلون عن سبب استثناء أمين عام الوفاق عن التوقيف طوال السنوات الأربع الماضية، وكثيرون ظنوا أن لعب الوفاق على التناقضات من شأنه أن يحمي أمينها العام وآخرين معه من هذا المصير، وفي مقابل الذين أزعجهم خبر تحويل الشيخ علي سلمان إلى النيابة العامة ووجدوا في ذلك خطأ ترتكبه الدولة، يوجد آخرون أفرحهم الخبر ورأوا أنه عين الصواب وإن جاء متأخراً.
ضيق «المعارضة» مما حدث وتبعاته، وفرح الفريق الآخر ورضاه عن هذا التصرف، كله يدخل في الطبيعي، فمن الطبيعي أن يزعل البعض ويرضى البعض ويتحفظ البعض وينتقد، لكن ما هو غير طبيعي هو اعتبار التحقيق مع سلمان خطاً أحمر، وإهانة لمذهب بعينه وتعطيلاً لمبدأ الحوار والتواصل، ذلك أنه من الخطأ ربط عمليات كهذه مصيرية بأسماء أشخاص بعينهم، فتوقيف أمين عام الوفاق لا يعني توقيف كل الوفاق وكل «المعارضــة»، ولا يعني توقف التواصل بين الحكومة و«المعارضة»، فهو في النهاية شخص يمكن التعويض بغيره طالما أن القضية التي يحاربون من أجلها غير مرتبطة باسم شخص بعينه.