نجح النائب محمد الأحمد مرحلياً في تمرير وجهة نظر جمعية «الأصالة» بمواقفها السابقة تجاه «الثقافة»، نيابياً، في جلسة المجلس الماضية، بتعديله اقتراحاً برغبة لإنشاء هيئة للسياحة والثقافة، ألغى بموجبه الثقافة من المقترح، كي تضم لإحدى الوزارات، متوافقاً بالرأي في ذلك مع رئيس الجمعية النائب عبدالحليم مراد.
وكان الظن ألا يأتي هذا التعديل من الأحمد، فهو إعلامي ويعرف جيداً حجم الجهود التي قامت بها «الثقافة»، والنجاحات التي حققتها محلياً وإقليمياً ودولياً، بغض النظر عن أي مواقف أخرى، حول أي قضايا تخص «الثقافة»، وإضافتها في «ركن قصي» بإحدى الوزارات، ما هو إلا تهميش ومحاولة إلغاء.
يشكل البعد الثقافي واحداً من أهم أركان السياحة في البحرين، وإبعاده عن الثقافة في مقترح الهيئة، أمر غير موفق، والأفضل جعل الثقافة شخصية اعتبارية قائمة بذاتها، وأن تفرد لها مساحة مقدرة، كجهة تستطيع أن تقدم البحرين بشكل مبشر، كما ظلت، للعالم الخارجي.
وتنمية الإنسان تبدأ من ثقافته وفكره، ثم تتنزل إلى ما يحتاجه من خدمات بمختلف أشكالها وأنواعها، فهي سلوكه، وهي منهجه في الحياة، وهي علاقاته، ونظرته للآخر، ومدى تقبله، وتعايشه معه، وهي فوق كل ذلك إحياء لقيم المجتمع الإيجابية وعاداته وتقاليده السوية.
وقدمت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة العديد من الإنجازات، التي يجب أن يفخر بها كل بحريني، فالمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي الذي يأخذ من المملكة مقراً له خير دليل على ذلك، إضافة إلى إنجازات أخرى، لافتة لأي شخص يزور البحرين، من مهرجان ربيع الثقافة، إلى النقلة اللافتة لـ»سوق باب البحرين»، وفعالياته المتعددة، ومسؤولية الحفاظ على البيوت التراثية بمشاريع إحيائية لا مثيل لها في العالم العربي، والمسرح الوطني، ومشروع مشاركة القطاع الخاص في دعم الثقافة، الذي جعل الجميع يشاركون في الحراك الثقافي وإحياء التراث، وجعل البحرين وجهة ثقافية سياحية متفردة.
ويأتي تفرد الثقافة البحرينية، من تفرد إنسانها، فهو نسيج لوحده، لذلك تحتاج البحرين لأن تقدم هذا الإنسان، بصفحته الثقافية هذه، كما ظلت تفعل ذلك الشيخة مي، على مر السنوات الماضية، وهي الطريق القويم لـ»تقوية شخصية المواطن واعتزازه بعروبته وإسلامه»، التي نادى بها الدستور البحريني.
وكان الأجدى بالبحرين أن تظل للثقافة وزارتها، بوزيرتها، التي ما عرفنا غيرها فاعلاً متفاعلاً في الشأن الثقافي على قدرها، بوعي ومحبة، وانفتاح، وقدرة على ابتكار أساليب للحفاظ على التراث، وهذه من الأشياء التي تجد تقديراً عالمياً منقطع النظير.
تواجه هذا المقترح برغبة، عدة إشكالات، أولها شكلي بما يحمله من تهميش للثقافة، وهو أمر يدعو للاستغراب، ونتوقع ألا تنجح هذه المحاولة أكثر من ذلك، وثانيها يتعلق بأن إنشاء الهيئات والمؤسسات حق كفله الدستور للملك، وهي أمور ستجعله «محلك سر»، ولن يتزحزح من تحت قبة البرلمان.