بالمصالحة القطرية المصرية المرتقبة لم يعد علينا تجرع حصتنا اليومية من المنغصات الإعلامية التي «لم تذكر الله» في افتتاحياتها
عشية ربيعه الدامي ظهر عالمنا العربي يرتدي الفوضى مرة أو ترتديه، ثم ألقى بها متنفساً الصعداء ورافعاً صوته «أستغفر الله» وكأنه قد أجهز على فكرة خبيثة في رأسه. وفي تقديرنا أن مراكز صنع القرار في أجزاء كبيرة من عالمنا العربي تمر نتيجة ضغط الربيع بكافة أشكالها بمزاج وفاق تصالحي أو «يريدون السلامة» لأنفسهم جراء مزاج الشعوب الذي أصبح أصعب تهجيناً مقارنة بعقود ماضية، لقد كان من مظاهر الوفاق أن القراءة الأولى لأزمة سحب السفراء الخليجية أظهرت وجود تصدع دبلوماسي وسط متغيرات إقليمية دقيقة، فسحب السفراء أزمة بسبب غياب الدبلوماسية المرنة عن ثناياها من كافة أطراف الأزمة. فأتت سابقة لم تعرفها منظومة المجلس من قبل، لقد كانت أزمة غير مألوفة لم تكن بحاجة لشيء أكثر من التوافق على صيغ ترضي جميع الأطراف؛ وهذا ما حدث.
كما كان من مظاهر الوفاق أن وافقت الكويت على طلب من العراق بإرجاء سداد آخر دفعة من التعويضات التي فرضها مجلس الأمن، فزار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الكويت، وثمن بالتقدير هذه الخطوة لكون العراق يخوض حرباً ضد تنظيم داعش في ظل ظروف اقتصادية صعبة. وفي الفترة نفسها زار وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد بغداد، وكان من نتائج زيارته إعلان الكويت نيتها فتح قنصلية في البصرة وأربيل، كما تقرر تنظيم الملاحة في خور عبدالله ليكون «ميناء مبارك الكبير» مكملاً للموانئ العراقية لا منافساً لها، كما كانت تروج جهات متطرفة افتقدت الروية والدراية في معالجة الأمور، فيكون هناك طريق للتوافق الذي حدث.
وفي ما بين المبادرة والاستجابة حدث اختراق في غبار الحرب الباردة بين القاهرة والدوحة عبر مبادرة خادم الحرمين الشريفين لفتح صفحة جديدة بين البلدين الشقيقين وعودة العلاقات الطيبة بينهما. حدث هذا بعد التوافق على ترميم الشرخ الذي حدث قبل وخلال تقلبات الربيع العربي من خلال إيقاف حملات متشنجة تجاوزت حقيقة أن الأهرام تبقى واقفة حين يجلس الجميع، كما تجاوزت حقيقة أن النوافذ القطرية قد شرعت على العالم وأن إغلاقها خصم من رصيد الاحترام الدولي الذي كسبته الدبلوماسية الخليجية والعربية، وبالمصالحة القطرية المصرية المرتقبة لم يعد علينا تجرع حصتنا اليومية من المنغصات الإعلامية التي «لم تذكر الله» في افتتاحياتها.
أما أسباب التحول إلى الوفاق بين العرب فكثيرة؛ ربما لتدارك الخطيئة الاستراتيجية التي وقعوا فيها جراء خطأ سياسة تصدير الأزمات الداخلية عبر الخلافات الخارجية، كما أن من أهم أسباب مزاج الوفاق الحالي بين الدول العربية الوصول لمنعطفات حادة كانت تهدد الأنظمة نفسها لتبادل دعم الأنظمة لفصائل منافسة للطرف الآخر. كما وجد كل طرف أسباب سياسية واقتصادية ونفطية خاصة به تدعوه إلى القبول بالوفاق. كما نتج عن الخلاف المتزايد فجوات هزت الأمن القومي العربي وكان من تبعاتها توقيع اتفاقات أمنية مع الغرب وتدخل أطراف أجنبية في مصالحات عربية. بل وتدخل قوة ثالثة تسعى للهيمنة على القرار العربي بعد إحداث وقيعة بينهم ليدمر كل منهما الآخر. أما ما يروج له كأهم أسباب التحول نحو الوفاق فهو تقلص الصراعات في سلوك الدول نتيجة وضوح أخطار داعش عليهم جميعاً.
ورغم الخلاف المصري/المغربي الذي تفجر فجأة؛ إلا أنه يمكننا القول بضرورة أن استغلال حالة الاستعداد الذهني التصالحي لدى صانع القرار السياسي -وليس التوجس منها- فرصة للتأكيد على أنها مصالحة حقيقية يجب تحصينها بالدبلوماسية الماهرة. وهي أيضاً فرصة لدفع مزاج التوافق لآفاق أوسع؛ كمصالحة شعوب عربية روضت على الاصطفاف بغريزية خلف الأنظمة، وهي فرصة لمصالحة دول الجوار الإقليمي كتركيا وإيران بشروط عربية.