قبل أيام دخلت مطعماً كبيراً استطاع صاحبه جذب الزبائن إليه سواء من المواطنين والمقيمين أو السياح الخليجيين والعرب، ففيه يجدون كل ما يريدونه ابتداءً من الطعام الجيد ذي الأسعار المناسبة ومروراً بالشيشة وانتهاء بالتمر والقهوة لزوم الضيافة. هناك لاحظت وجود عدد كبير من العمال والموظفين يتطلب العمل توفرهم، لكنني لم أجد بينهم بحرينياً واحداً، فقد كانوا جميعاً من العمالة الآسيوية، فقفزت «اللماذات» في رأسي وأولها؛ لماذا لا يوجد بينهم بحرينيون؟ وهل يعمد صاحب المطعم إلى عدم توظيف البحرينيين أم أن البحرينيين لا يقبلون العمل في المطعم لأسباب اجتماعية أو لأسباب تتعلق بالراتب؟
بطبيعة الحال لن يقبل البحريني العمل بنفس الراتب الذي يقبل به العامل الآسيوي، وبطبيعة الحال أيضاً لن يتمكن صاحب العمل من دفع رواتب للبحرينيين ترضيهم، لأن هذا سيدفع به إلى التعويض ولن يجد أمامه سوى رفع الأسعار، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال أيضاً إلى انقطاع الزبائن عنه وتفضيلهم مطاعم أخرى توفر الخدمات بأسعار أقل.
لا أعرف كيف يمكن حل هذه المشكلة، ولكن لابد من حلها، فليس معقولاً استحواذ العمال الأجانب على كل هذا الكم من الوظائف، وليس معقولاً استنكاف البحريني العمل عن كثير من الوظائف التي كان حتى وقت قريب لا يتحسس من شغلها، كما ليس معقولاً تشغيل البحريني في وظيفة براتب لا يكفيه ولا يعينه على العيش بكرامة، وليس معقولاً كذلك تحمل صاحب العمل رواتب أعلى يضطر معها إلى تغطيتها برفع الأسعار أو تقليل مستوى الخدمة وخسارة الزبائن.
هذه المشكلة ليست في المطاعم والمقاهي فقط، ولكنها في كثير من القطاعات التي إن التحق بها العامل البحريني خسر وخسر صاحب العمل وخسر المستهلك.
جذب الاستثمارات الأجنبية يعني أن الدولة توفر امتيازات وخدمات للمستثمر تغريه للإتيان بأمواله وإقامة مشروعاته التي تستفيد منها الحكومة في توظيف مجموعة من أبناء البلاد، لذا فإن توظيف الأجانب بدلاً عن البحرينيين في تلك المشروعات يعني أن جذب رؤوس الأموال للاستثمار لم يحقق أحد أغراضه الأساسية، فأي فائدة يجنيها الوطن من توظيف الأجانب في هذه المشروعات؟
نعم، هناك نظام تطبقه وزارة العمل حيث تفرض توظيف بحرينيين بنسب معينة، هذا في أحد وجوهه طيب ولكنه لا يشبع، فما قيمة توظيف مائة بحريني مثلاً في مشروع استثماري يستوعب أكثر من ألف موظف وعامل؟ وما قيمة توظيف البحريني في وظائف دنيا لا يتطور من خلالها ولا يتحسن أجره؟
بالتأكيد من حق المستثمر أن يحصل على أفضل العناصر لتشغيل مشروعه، ومن حقه ألا يخسر فلولا الربح لما أتى بأمواله ليستثمرها هنا. لكن من حق الدولة أيضاً أن تحصل على شواغر تشغل بها مواطنيها الباحثين عن عمل كي تخفف عن كاهلها وتغلق باباً قد يأتيها منه الأذى، ومن حق المجتمع أن يظفر بعاملين من المواطنين، خصوصاً في الوظائف ذات المردود المادي الجيد وتلك التي يمكن أن يتطوروا من خلالها.
كل مواطن وكل سائح خليجي لابد أنه يتألم بل يتألم كثيراً عندما يرى شغل الأجانب لكثير من الوظائف التي يمكن للبحريني أن يشغلها، فالبحريني وجه البلد وهو الأحرص على سمعتها ومكانتها، لذا لابد من التفكير في طريقة لحل هذه المشكلة بحيث تظفر البلاد بالاستثمارات ويحصل المواطنون على فرصتهم في شغل كثير من الوظائف التي بإمكانهم أن يعطوا من خلالها وبرواتب مجزية، وفي نفس الوقت لا تكلف المستثمر أكثر من طاقته ولا تجعله يفضل استثمار أمواله في بلدان أخرى.
ربما كان الأفضل حجز بعض الوظائف للبحرينيين فقط كما فعلت بلدان أخرى.