في الحرب الأخيرة على غزة لقي أكثر من 2000 فلسطيني حتفهم، من بينهم 500 طفل، فيما أصيب أكثر من 11 ألف شخص. بعض أحياء القطاع دمرت بالكامل، فيما فقد أكثر من 100 ألف شخص منازلهم بعد تدمير أكثر من 18 ألف منزل في القطاع حسب إحصائيات الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك نحو 55 ألف شخص يعيش في المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».
دول العالم التي اجتمعت في القاهرة من أجل مشروع إعمار غزة، لم تقدم حتى الآن ما يمكن أن ينتشل هذه المدينة وأهلها من محنة التشرد والثلوج والموت البطيء، فكل شيء يشي فيها بالفناء، وما اجتماع القاهرة إلا صيغة باهتة لإعلان كاذب لنصرة القطاع المنسي. مع حلول الشتاء، ليس هنالك ما يقي أهل هذه المدينة المحاصرة سوى الصبر أو التطرف.
إن تجويع ومحاصرة أهل غزة بالفقر والبرد والجوع والتجهيل، وحشرهم في بيوت من صفائح «التنك» أو في العراء المميت، سيخلق جيلاً من المتطرفين الذين يمكن أن يمارسوا كل شيء من أجل البقاء أو حتى الفناء، فالإرهاب سيخرج من تلكم المنازل المتهالكة أو من أنابيب المجاري الملقاة على أرصفة غزة، وحينها سيعرف كل العالم، لو أن حكوماتهم بنوا هذا القطاع لكان خيراً لهم من مشاهدة أهله وهم يموتون أو يتطرفون.
وردت الكثير من التقارير التي تشير إلى وجود مجموعات كبيرة من المتطرفين الغزِيين الذين بفعل ضغط الحياة وضنك المعيشة في العراء، أصبحوا من أبرز الإرهابيين حول العالم، فأصبحت لديهم غريزة الانتقام بارزة أكثر من بروز الحفاظ على الحياة.
جولة سريعة في مخيمات ومنازل وشوارع وقرى غزة، ستجيبك على كل الأسئلة الحائرة، وستعرف حينها كيف يولد التطرف وكيف تكره الناس الحياة، فالإنسان الذي يخضع لاختبارات تفوق تحمله، فهو أقرب أن يتجه للموت من أن يتجه للبقاء، وهذا تماماً ما ينطبق على واقع غزة.
ليست هذه مجرد تحاليل سياسية أو افتراءات وهمية، بل هذا أيضاً ما أكدته قيادة حماس، حين اعترفت بأن ما يجري في غزة يعتبر مقدمة علمية للتطرف.
خليل الحية عضو المكتب السياسي في «حماس» وخلال جلسة عقدها نواب الحركة في غزة للمرة الأولى منذ أشهر، أكد أن استمرار الحصار الإسرائيلي وتأخير إعادة إعمار القطاع يزيدان التطرف والإرهاب. وقال الحية خلال الجلسة التي عقدت في مقر المجلس التشريعي بمدينة غزة «رسالتنا للعالم كله الذي يخشى من الإرهاب والتطرف أن تأخير الإعمار وإبقاء الحصار على قطاع غزة يجعل هناك بيئة مناسبة لتفريخ التطرف وزيادة الإرهاب».
ربما هي سياسة عالمية مبنية على يقينيات مسبقة، وهي أن الحصار الفعلي الخانق على الغزيين سيخلق مجموعة من المتطرفين، ليكون هذا مبرراً فعلياً لاستمرار محاصرة هذا القطاع المحاصر أصلاً، ومن ثم قطع المساعدات عنه لأجل إذلاله وإهانة إنسانه، ومن ثم القضاء عليه.
اكتشفنا اليوم، ألا إعمار لغزة، ولا هم يحزنون، بل هي المؤامرة الدولية لتقويض الحلم العربي وتوسعة ألمه، ومن ثم تنحية كل فصيل فلسطيني يمكن أن يقول «لا» للكيان الصهيوني، حتى ولو خرج من رحم هذا القطاع المتهالك ألف ألف متطرف يجوبون عواصم العالم لأجل الموت. إنها العبثية المعجونة بالعدمية يا سادة.