أحدث مشروع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم صدمة في نفوس العرب وقلقاً بين اليمنيين أنفسهم على مشروع الوحدة اليمنية، الذي يعد واحداً من أهم الإنجازات القومية العربية المعاصرة بعد معارك الاستقلال وطرد المستعمرين. ومشروع التقسيم لم ينل حظه من الترويج الإعلامي السليم؛ لذلك لاتزال أبعاده غامضة ولاتزال الثقة به منوطة بالثقة بالشخصيات اليمنية الوطنية التي صاغت المشروع.
يواجه اليمن تحديات خطيرة وقديمة ربما لم تواجهها الدول العربية التي انزلقت إلى دوامة دامية من المواجهات مثل العراق وسوريا. فرغم الثروات الهائلة والمتعددة التي يمتلكها اليمن إلا أنه يعاني من تدنٍ خطير في مستويات التنمية وتخلف اقتصادي كبير، وتفشي نسبة الأمية في نسبة تتجاوز نصف الشعب. وتواجه الحكومة اليمنية شبه انهيار في كافة خدمات الدولة. كما إن الوضع القبلي متقدم جداً بسبب غياب الدولة لعقود طويلة خصوصاً في المحافظات الشمالية. وتعتبر اليمن أكبر ترسانة سلاح «شعبي» في العالم، حيث تمتلئ المنازل بالبنادق والمسدسات والخناجر وتمتلك القبائل الصواريخ وأحياناً الدبابات.
وما زاد مشاكل اليمن سوءاً تفاقم مشكلة الحوثيين (الشيعة الجعفرية) في شمال اليمن وعناصر القاعدة (السلفية الجهادية) في جنوبه، وانتهاجهما نهجاً مسلحاً أدخل الجيش اليمني ضعيف التدريب والتسليح في حروب طويلة وقاسية يصعب عليه حسمها دون دعم خارجي. كل المعطيات السابقة جعلت اليمن يصنف ضمن الدول العربية «الفاشلة» التي لا تتمكن حكومة المركز من السيطرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في أطراف البلاد.
لذلك ارتأت الشخصيات التي حضرت الحوار الوطني اليمني أن حل مشكلات اليمن المعضلة لا يمكن أن يتأتى في ظل حكومة مركزية، بل في ظل حكومة فدرالية تقوم على تنمية كل إقليم على حدة مع وضع ضمانات في تقسيم الأقاليم وفي آلية العمل الفدرالي تحول دون أن تسير الأقاليم في طريق الاستقلال ثم الانفصال كما تروج بعض القراءات. فتقسيم الأقاليم تجنب أن يتحول الإقليم إلى مناطق نفوذ جغرافي للقبائل أو التيارات السياسية، وركز على القوة الاقتصادية الذاتية لكل إقليم ولكن دون اكتفائها بذاتها. واهتم بأن يكون لكل إقليم منفذ بحري لكن دون أن يتحول إلى ممر مستقل.
ومن المهم الإشارة إلى أن الأطراف التي ترفض تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم هي الأطراف الانفصالية في اليمن مثل جماعة الحوثيين الذين يطالبون بإقليم مستقل، والحراك الجنوبي الذي يرفض تقسيم جنوب اليمن إلى إقليمين ويطالب بجعله إقليماً واحداً، وهذا مؤشر أن الرافضين لمشروع الأقاليم ليسوا أساساً من الأطراف الوحدوية وأن تحفظاتهم تنطلق من طموحاتهم ومشاريعهم الانفصالية.
هل ستصمد الوحدة اليمنية في وجه كل التحديات بعد مرور ما يقارب الخمسة وعشرين عاماً على ذكرى قيامها؟ تعودنا أن تكون الحكمة يمانية، فكم مرة يثار شبح الحرب الأهلية واستخدام سلاح القبائل؟ ولكن في كل مرة يثبت الشعب اليمني أنه إيماني وحكيم. وهذا ما نتوقعه لليمن. فمشروع الوحدة اليمنية من المشاريع العربية المفصلية في التاريخ الحديث، وتمسك الشعب اليمني المخلص بوحدته هو نضال قومي في مواجهة التدخلات الأجنبية ومشاريع الانفصال المتعددة التي تهدد المنطقة العربية بأسرها. والحفاظ على الوحدة اليمنية هو حفاظ على الأمن القومي العربي الذي تتآكل جغرافيته عاماً بعد عام.