الكلام هنا عن الصبي ذي الأربعة عشر ربيعاً، والذي توفي نتيجة إصابته في الأحداث التي شهدتها منطقة سترة قبل عدة أيام.
مؤلم أن يتوفى طفل في هذه السن بهذه الطريقة، وهو حدث لا يسر أحداً أياً كان موقفه من الأحداث؛ فالطفل في كل الأحوال بحريني، وهو قبل كل شيء إنسان لم ير من الدنيا شيئاً بعد، لكن أيضاً ليس معقولاً ولا مقبولاً ما احتوته بعض البيانات التي صدرت من بعض الجهات ذات العلاقة بأعمال الشغب بغية مجاملة ذويه، حيث وصفت الصبي بأنه «إعلامي»، وإنه كان يؤدي واجبه، وقالت ما معناه أن السلطة تترصد للإعلاميين! فهذا الكلام مردود عليه، ذلك أنه ليس كل من حمل كاميرا صار إعلامياً، وليس من كتب تغريدة أو نشر أخباراً على موقع إلكتروني صار صحافياً.
هذا الكلام مؤلم؛ ولكن لتتسع الصدور لمناقشة ما حدث للصبي -رحمه الله-؛ فهل من الإنصاف والعدل أن يؤخذ طفل من حضن أمه ويدفع به إلى ساحة مواجهات عنيفة بين متظاهرين غاضبين ورجال أمن مطالبين بالسيطرة على الأمن يتخللها أعمال شغب وتخريب وعنف؟ هل من المعقول تكليف طفل دخل للتو سن التكليف الشرعي بتصوير ما يجري من مواجهات يعرفون مسبقاً أنه قد يصاب فيها؟ هل يعقل تكليف من لايزال في المرحلة الإعدادية بالقيام بمهام ميدانية يفترض أنها من مهام الكبار والمحرضين؟
ليست هذه محاولة لتبرئة من كان سبباً في تطور المشهد، ولكنها رسالة تتضمن اتهاماً صريحاً لأولئك الذين لم يراعوا سن الصبي ولم يهتموا لأهله، وأخذوه معهم كي «يغطي» لهم ما يجري في الساحة من أحداث! ليس مقنعاً التطاول على الطفولة بهذا الشكل ثم اتهام الآخرين بأنهم وراء ما حدث للصبي، ذلك أن الأصل هو ألا يكون الصبي متواجداً حيث تواجد، ولا مشاركاً في فعل التغطية الإعلامية التي بسببها وصفوه بأنه إعلامي وفقد حياته.
هذا مثال عملي عن مدى استغلال أولئك «السياسيين» ممن ورطوا أنفسهم في فعل اكتشفوا متأخرين أنه صعب عليهم للأطفال الذين لا يعرفون حتى ما يدور ولماذا يدور. ولأن هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الأمر؛ لذلك فإن إفلات محرضي الأطفال على الدخول في مساحة لا علاقة لهم بها لن يكون صعباً، حيث الخبرة في هذه الأحوال تفيد، وحيث الاتهامات للسلطة جاهزة خصوصاً مع توفر الفضائيات السوسة التي لم تتوقف منذ لحظة الحدث وحتى الآن عن لوكه واجتراره.
ما قام به أولئك هو تجن على الطفولة وظلم لها واعتداء غير مبرر عليها، فليست هذه هي مهام الطفل وليس مبرراً أبداً إشراكه في مثل هذه الأحداث. ما حدث ويحدث باستمرار هو أن أولئك يستغلون الأطفال استغلالاً بشعاً ويصنعون منهم مشاريع لإصدار البيانات الجاهزة، ذلك أن خبر وفاة طفل في مواجهات مع رجال الأمن له تأثير على المتلقي أكبر من تأثير خبر وفاة رجل أو شاب، وهو ما يعني باختصار أن أولئك يتاجرون في الطفولة بشكل بشع، وهو أمر غير مقبول وينبغي وضع حد له ومحاسبة المتورطين فيه.
الطفل في هذه السن مكانه البيت والمدرسة، وحيث يمكن أن يتعلم ما يفيد حياته ومستقبله، وليس مكانه ساحة المواجهات التي يكون فيها مؤهلاً للإصابة أو الوفاة في أي لحظة، بل لعله يصاب بـ «نيران صديقة»!
كل ما سيحصل عليه الطفل المتوفى الآن هو بيان نعي وإشادة بدوره وإسباغ بعض الألقاب عليه ثم نسيانه، وكل ما سيحصل عليه ذووه هو عبارات التعزية والتعاطف ثم تركهم للحزن يأكلهم ويستولي على حياتهم.
كلام مؤلم.. لكنه الحقيقة.