قادة التحريض الذين يطلقون على أنفسهم «معارضة» تدربوا لسنوات عديدة على مهارات التعامل مع وسائل الإعلام، وعلى أساليب النقاش في البرامج الحوارية، طبعاً باختلاف أسلوب التعامل مع القنوات المختلفة، كما تعلموا كيف يمكن لهم دس السم في العسل، والترويج لأكذوبة وإقناع الناس بها، أو تضخيم وقائع أو نشر معلومات خاطئة، وطبعاً ختموا ذلك باستيعاب تكنيك «لغة الجسد» و«وتيرة الصوت».
لكن رغم كل هذا، أصابع اليد ليست سواء، فهناك من أجاد الفن وأتقنه، وهناك من يحاول إيهام نفسه بأنه ضليع فيه فتراه «يخبص» تارة و»يبهدل» جماعته تارة، وهناك من لم يفلح البتة فأصبحت كل كلمة تخرج منه «كارثة» بحد ذاتها.
السقطات كثر، وأكثر من يسقط هو من يمارس الكذب، والأخطر من ذلك أن وسائل الإعلام سواء مقروءة أو مرئية أو مسموعة ما هي إلا أدوات توثيق وتأريخ، بالتالي أي معلومة أو قول يقال إن ألقى هكذا «جزافاً» دون أن يدرك صاحبه فإنه يحسب عليه ويستشهد به ويكون مستمسكاً عليه، ومثل هذه الأقوال لا تمحى إلا حينما يأخذ صاحبها المبادرة ويقول بأنه أخطأ يومها حين أطلقها أو يعترف بأن حساباته وقراءاته كانت خاطئة. عموماً، ليست القضية اليوم معنية بفنون التعامل الإعلامي التي واضح تماماً أن كثيراً من كارهي هذه البلد «تلبسوها» إلزاماً في إطار إدراكهم بأنهم أكثر ما يحتاجون «التوسل» إليه هي وسائل الإعلام بالأخص الغربية، بغية انتشار أي معلومة يقدمونها وإن كانت كاذبة، وفي جانب آخر حتى «يستدرون» تعاطف مجتمع كثير قد ينسف هذا التعاطف في ثوان إن وصلته الحقيقة كاملة.
خادم الولي الفقيه في البحرين، رغم أنه أكثر من خضع لعمليات تدريب على التعامل مع وسائل الإعلام، ودرس فنون لغة الجسد «Body Language» والإشارات ولربما لديه أيضاً إلمام بـ «السيميوتك»، فإن سقطاته مدوية ومن خلالها يمكن كشف كثير من الزيف الذي يمارسه.
بينما هو يدعي تصدره الصفوف في مؤامرة الانقلاب «التي أسماها ثورة» كان يتحدث لقناة «فرانس 24» في إخلاء الدوار الثاني، ولو كان المذيع يريد إحراجه، لسأله حينها: وأين الآن موقعك يا قائد الثوار في الدوار؟! ليكتشف بأنه بعيد كل البعد عمن استخدمهم كـ»دروع بشرية».
في مقابلة مع «الجزيرة» الإخبارية وفي مواجهة مع وزير حقوق الإنسان «يومها كان عضو مجلس شورى» تحدث بإساءة عن رمز من رموز الحكم، وحينها لم نسكت عن هذا التطاول الذي أورده، لكن «الخادم» ينسى ليعود بعدها بمدى زمني قصير ليكيل الإشادات والمدح لمن انتقدهم، وحتى لفئات الشعب الذين وصفهم بمأجورين ومرتزقة، فقط لأن الموقف آنذاك يستدعي أن يتلون.
في اجتماعه مع ممثلين عن تجمع الفاتح، أسقط انتقال قوات درع الجزيرة كل أوراق التوت «الإعلامية» التي درسها، فصاح منفعلاً باسم «إيران»!
في أحد تجمعاته التحريضية جلس في غرفة زجاجية، وقال لمريديه «اذهبوا وأنا سأقودكم، لكن عبوة مسيل دموع واحدة -في مسيرة لاحقة- حولها لمحاولة اغتيال واستهداف ممنهج، وبعدها لم ير إلا في سيارة سوداء معتمة وبين عناصر «بوديجاردز». وفي تجمع آخر قال للدولة «تحلمون» واليوم هو يرسل مبعوثيه وممثليه لطلب ما يحفظ ماء الوجه، يقول «سنقاطع» الانتخابات، لكن الحقيقة هي بأنهم في حالة «استماتة» للمشاركة!
بيد أن المضحك السقطة الأخيرة وفي قناة هي أصلاً محسوبة عليهم وممولة من حزبهم المؤتمر بأمر المرشد الإيراني الذي منح وليهم الفقيه صفة «آية الله»، والسؤال -الذي يبدو وكأنه مفخخ- كان عن القاعدة الأمريكية في البحرين، وبربطه بتصريحات سابقة لأمين عام الوفاق وإقرانها بموقفه من العراق وتمجيده لـ»دمى الخامنائي» التي تديره.
علي سلمان مجد من أداروا العراق لحساب إيران، أشاد بهم، لأنهم -طبعاً- قاموا بصون الأمانة بحسب الطريقة التي تخدم هوى المرشد الإيراني، وضرب الأمثلة في جدارتهم وكفاءتهم ضد القوات الأمريكية، وضد الإرادة الصادرة من البيت الأبيض، وأنهم -من مجدهم علي سلمان- تمكنوا من فرض الانسحاب على الأمريكان صاغرين من العراق.
ولكن «النكتة» كانت، بأنه سئل: طيب وماذا عن الأمريكان وقاعدتهم الأمريكية في البحرين يا علي سلمان؟!
طبعاً لم تكن هناك إجابة بل لف ودوران، فمن كاد أن يشتمهم بجرأة في شأن موضوع العراق، لم يقو على ذكر اسمهم فيما يتعلق بوضعهم في البحرين!
ونهاية المشهد كان بقمة الإحراج، حينما يرد عليه من قبل القناة نفسها بأنه واضح يا علي سلمان أنك لا تريد الإجابة على السؤال!!
يسألونك عن «القاعدة الأمريكية» في البحرين! هل من جواب، أم إن «أولياء النعمة» من الداعمين في واشنطن سيزعلون عليك؟!
ونعم النضال، ونعم الثورة، ونعم قيادة الناس لتحقيق مطالبهم، أي تحد للدولة وهو لا يملك أن يقول للأمريكان «حرف» حتى لا يتركوه وحيداً ليستوعب بعدها أنه عاجز عن «مناطحة» النظام بمفرده؟!