القوانين والإجراءات التي تعتزم بريطانيا اعتمادها والتي «تسمح لأجهزة الأمن التعامل بشكل أفضل مع المتطرفين والمشتبه فيهم بالإرهاب»، يعني أن بريطانيا انتبهت، ولو متأخرة، إلى أن المبادئ والقوانين التي «تفوشر» بها كي يقال إنها بلد ديمقراطي وإنها تدافع عن حقوق الإنسان، ستعود عليها بالمضرة وستفقدها ومواطنوها المسؤولة عنهم الأمن والأمان، فالحال التي وصلت إليها بريطانيا بسبب ما أصابها وما هو متوقع أن يصيبها جراء «ديمقراطيتها» دفع رئيس وزرائها ديفيد كاميرون ليعلن بنفسه عن استعداد حكومته لاعتماد القوانين التي يأمل أن تحمي بريطانيا شر التطرف و»شر الديمقراطية».اتخاذ بريطانيا قراراً برفع مستوى التهديد الأمني إلى «خطير» يعني أنها رأت من المتطرفين ما لم تتوقعه، وأنها تنتظر أن ترى ما لم تره من آلام وأعمال تخريب وفوضى يمكن أن تعم بريطانيا فتفقدها كل شيء.فرنسا لن تتأخر أيضاً عن اتخاذ مثل هذه الإجراءات. كنت قد شاهدت قبل قليل فيلم فيديو قصير يستعرض مشاهد من برنامج تلفزيوني فرنسي يهتم ببيان مقدار القوة التي وصل إليها الإسلاميون في فرنسا، حتى أنهم لم يعودوا يخافون أو يترددون عن التصريح باللغة الفرنسية لأي وسيلة إعلامية بأن فرنسا ستصير إسلامية قريباً وأنه لا مفر لها من أن تتخذ الإسلام ديناً.من تلك اللقطات تصريحات متطرفة لإسلاميين عرب يتخذون من فرنسا موئلاً، وجوانب من سيطرتهم على الشوارع في يوم الجمعة حيث يصلون، وإضاءة على مطالباتهم بتغيير بعض القوانين والتي منها تغيير الإجازة الأسبوعية من يوم الأحد إلى يوم الجمعة، ولقطات تتضمن تصريحات لفرنسيين يعبرون عن غضبهم من كل هذا الذي يجري في بلدهم ويهدد أمنهم وعن عدم ارتياحهم من تأخر حكومتهم اتخاذ القرارات الكفيلة بحمايتهم من التطرف وسيطرة الإسلاميين.الأمر الآخر الذي صار يرعب هذين البلدين وغيرهما من بلدان أوروبا هو أن بعض مواطنيهم شاركوا ويشاركون في القتال الدائر في سوريا والعراق وأنهم سيعودون حتماً -إن لم يقتلوا هناك- إلى بلدانهم فيمارسون فيها ما قد لا يخطر على بال الحكومات هناك.عندما تضع كل هذه الحقائق أمام أي شخص وتسأله عن رأيه في الإجراءات التي اتخذتها وستتخذها بريطانيا وفرنسا تحديداً لتحمي نفسها من الإرهاب فإنه سيقول لك على الفور إن هذا «من حقها»، وإن هذا هو دور حكوماتها لأنها مسؤولة عن أمن مواطنيها ومستقبلهم ومسؤولة عن أمن البلاد واستقراره.هنا ينبري سؤال؛ لماذا إذاً تلومون البحرين وحكومتها على اتخاذها الإجراءات التي تحمي بها أمنها ومواطنيها ومستقبلهم؟ أليس من حق البحرين أن تفعل مثل ما تفعل بريطانيا وفرنسا وكل دول العالم؟ فلماذا إذاً لا يقول من يعنيهم الحديث هنا عن بريطانيا مثلما يقولون عن البحرين؟ لماذا يجوز لحكومة لندن أن تقوم بكل تلك الإجراءات وتصدر كل القوانين التي تضيق بها على مواطنيها والمقيمين فيها والسياح رغم أنها ترفع راية الحرية والديمقراطية ولا يجوز لحكومة البحرين أن تقوم ولو بجزء مما ينبغي عليها القيام به لحماية شعبها وأرضها؟المفرح في الأمر هو أن بريطانيا بدأت تأكل من الخبز الذي خبزته، وبدأت تنتبه إلى أن الشعارات الجميلة المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية التي ترفعها لا يمكن أن تحميها وتجنبها ما أصاب الذين من قبلها ومن هم حولها، وبدأت تقر بأن كل هذه الشعارات لا قيمة لها عندما يتهدد الأمن وتصير قاب قوسين أو أدنى من الفوضى وفقدان السلطة أو سيطرة من قد يعطل مسيرتها الحضارية.ليس الحديث هنا عن دور بريطانيا وفرنسا في إيجاد قوى متطرفة في بلدان الشرق الأوسط ولكن عن ابتلاء هاتين الدولتين تحديداً بما قد يغير أحوالهما ومستقبل شعوبهما.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90