لم يتبقَ إلا القليل على بدء الحملات الانتخابية، وبين من يعد العدة للخروج على الناس بشعارات ووعود انتخابية جديدة ومبتكرة، وبين من بدأ أصلاً القيام بكل هذا، يبقى حال كثير من المنشغلين بالشأن السياسي بوقائعه وشائعاته وتسريباته يتساءل عن شكل الانتخابات القادمة، وهل ستشهد مشاركة من قبل الذين مازالوا يمارسون التحريض على الدولة وزرع الكراهية تجاهها في النفوس.
البعض يربط نجاح الانتخابات بمشاركة من طعنوا الدولة في ظهرها وشتموا البرلمان وأهانوا فئات المجتمع وفعلوا الأفاعيل، وهذا ربط خاطئ تماماً، إذ ما نؤمن به ونقتنع بأن هذه البلد عجلتها تسير إلى الأمام ويرفض تماماً أن تتجه إلى الخلف لأجل خاطر طيف أو سعيا لضمان مشاركة آخر.
البرلمان بات أحد أعمدة الدولة الحديثة في البحرين، بغض النظر عن سلبياته والانتقادات الموجهة له بسبب سوء تمثيل بعض الواصلين لكراسيه، وعليه من الاستحالة إلغاء هذا الركن الهام أو التقليل من شأنه.
البرلمان موجود وقائم، والانتخابات ستتم، وإفرازاتها ونتائجها يحددها الناخب، والتشكيل سيتم بحسب إما الوعي أو التهور بشأن من يتم منحه الصوت، لكن أن تتعطل البحرين أو ينشل حراكها المجتمعي فهذا أمر مرفوض تماماً، أول من يرفضه الدولة قبل الأفراد.
ليست البحرين أسوأ حالاً مما شهدته قبل ثلاثة أعوام، إذ في لحظات خيل للبعض بأن البلد انهارت وأنها اختطفت، لكن تبين بأن هذا محال في ظل ثبات المخلصين ورفضهم حتى الاستماع والانسياق لمن أراد زراعة الوهم لديهم وأخذهم بالعواطف ليتخندقوا معه ضد النظام الشرعي. اللعبة كانت واضحة ومكشوفة، لم يكن حراكاً لتحقيق مطالبات وحل هموم معيشية والاهتمام بالمواطن أياً كان موقعه وانتماؤه، بل كانت محاولة انقلاب هدفها مسخ البحرين وتحويلها لعراق آخر يحكم عبر ولاية الفقيه ويدين بالولاء للخارج.
بالقطع هي ثلاث سنوات، وهنا يحلو للكثير لوم من مازال يستذكر الماضي بآلامه، يتم اتهامه بأنه يريد ألا يخرج من قوقعة الماضي، وهذا لوم خاطئ، فالفكرة ليست بالعيش فيما حصل دون تجاوزه، بل الفكرة الأهم هو استذكار ما حصل حتى لا نقع في نفس الخطأ وحتى لا يتكرر المشهد بصورة أبشع، وحتى لا تنزف البلد مجدداً.
البحرين لن تسقط أبداً، هذا يقين يجب أن يكون في صميم إيمان كل مواطن محب لتراب هذا الوطن. نعم، نعيش هموماً يومية ومشاكل وحتى مصائب، لكن كل هذا لا يجب أن يزعزع إيماننا بالبلد ذرة واحدة. ليس المخلصون مجانين أو قليلي عقل أو قصيري بصيرة ليدركوا ما هو مخطط الوفاق الأثير ومن يسير في خطاها. إن كان هناك من يظن بأنهم ينشدون إصلاحاً وعدالة مجتمعية لا تفرق بين من ينتمي لهم ويتبعهم عميانياً وبين من يختلف معهم مذهبياً وسياسياً وحتى من يخالفهم الفكر من نفس المذهب، فهو مخطئ تماماً.
ما شهدته البحرين في فبراير 2011 لا تخطئه عين عاقل، ولا يغفله عقل حصيف. لم تكن إلا محاولة اختطاف لبلد بأكمله، تعقبها عملية انتقام يغذيها الكره والحقد وعقدة المظلومية التي زرعت منذ سنين. بالتالي من خلع عباءة الذئب ليرتدي رداء الحمل الوديع، هذا من يجب أن تفتح العين عليه، وهذا من يجب ألا يتساهل معه من يطبق القانون.
يترقب الناس الأسابيع المقبلة، وبعضهم بات شغله الشاغل إجابة التساؤل: هل سيشاركون أم سيقاطعون؟!
والله لا يهم إن قاطعوا، فهم لن يزيدوا في قيمة البلد شيئاً، أقلها من سيشارك لم يقبل بأن يطعن البلد بإبرة خياطة، بينما هم تفننوا في تشريح البحرين وإسالة دمها. وإن شاركوا فهم وحدهم المستفيدون في محاولة عودة للمربع الأول الذي كانوا عليه، بيد أن العودة لا تعني هنا إلا إعلان نهاية لمحاولة انقلاب فشلت أعقبتها محاولات مستميتة يتلوى أصحابها هنا وهناك، حالهم كحال من تجرع السم بيده مرغماً.
ستظــل البحريــــن شامخـــــة، وسيـظل المخلصون من أهلها سداً منيعاً لها، وإن كان من إصلاح وتعديل وتطوير فلن يكون إلا بسواعد تبني لا تهدم، لن يكون إلا بأناس لا يقبلون أن يبيعوا أوطانهم في أرخص أسواق النخاسة وبأرخص العملات النقدية.