الفكرة هنا ليست بمنح من انقلب على بلده وطعنها وتطاول على رموزها وأساء للغالبية من الشعب فرصة جديدة على شكل «مكافأة»! لا، أبداً لا ننظر للعملية على هذه الناحية، بل العكس، إذ المسألة برمتها تشبه وضع «مدعي المظلومية» أمام اختبار ليثبت مصداقية ما يدعيه، لا في الداخل وأمام أتباعه أو خصومه، لا هذا لا يهم، بل ليثبت مصداقيته أمام العالم.
نعرف تماماً، وتعرف الوفاق، ويعرف أتباعها ويعرف كثير من الناس، أن التوجيه لدخولهم الانتخابات يأتي من قبل دول الغرب التي «توهمهم» بأنها تدعمهم، والمضحك أنهم يعلمون -أي الوفاق- أن الدعم ليس لـ «سواد عيونهم» بل لصناعة «دمى» تخدم محبي هوس النفوذ والتدخل في شؤون الآخرين، وعليه فإن الزاحفين باتجاه بريطانيا وأمريكا لـ «توسل» الدعم ولو بالتصريحات ولو بالمفرقعات الإعلامية، يقابلهم من نفس الفصيل من يحاول تطييب خاطر أصحاب «التبعية الأصلية» وهم القائمون على مكتب المرشد الأعلى الإيراني، إذ منح صفة «آية الله» لولي فقيه الوفاق ودعم قنوات إيرانية وتابعة لحزب الله للوفاق وأتباعها ليست «صدقة جارية» وليست ردة فعل «تعاطفية» بل هناك شيء في المقابل، وكلنا نعرفه.
وعليه فإنه لو افترضنا بأن تعديل الدوائر لو حصل، مع تسجيل الموقف بأنه من الخطأ القيام بأية خطوة يفهم منها بأنها محاولة كسب لمنقلب أو خائن، أقول لو افترضنا ذلك، فهل يعني أن الوفاق حققت ما سعت له وأوهمت أتباعها به، ونعني هنا «إسقاط النظام» الذي حولته بعدها إلى «إصلاح»؟! في حين أن الحقيقة بأن الوفاق وأتباعها هم من يحتاجون إلى «إصلاح» من «أعطاب» عملية التبعية العمياء لقرار رجل واحد.
هم بدون أي تعديل يوصلون 18 نائباً في مناطقهم، وفي نفس الوقت الذي يوصلون فيه هذا العدد يوجهون «لكمات» و«صفعات» لأتباعهم من جمعيات «تكملة العدد» الذين مازالوا بانتظار أن تتكرم عليهم جماعة الولي الفقيه بـ «ربع كرسي» في «القائمة الإيمانية». وعليه فإن كان الهدف من تعديل الدوائر بالتفصيل الذي يناسبهم فإن الهدف هو إيصال أغلب عناصرهم لأغلب كراسي البرلمان، وهنا لو كنا مراقبين من جهات خارجية وأنظمة وسفارات تدعم «صناع الفوضى في المجتمعات» لربما تساءلنا عن حقيقة الشعار المرفوع دائما والمعني بـ «الدولة المدنية»! إذ أين هي؟! وكيف تكون دولة مدنية تراعي حقوق الجميع وحتى الأقليات، في ظل وجود طيف سعى لتعديل الدوائر حتى يأخذ غلبة البرلمان «إذ العملية سهلة، بفتوى واحدة يمكن التصويت لعمود إنارة وإيصاله للبرلمان»، أين هي المدنية بالضبط هنا؟!
كل شعاراتهم «عتبات سلم»، كل وعودهم للناس «مخدرات»، الهدف الوصول لوضع يمنحهم فرصة تأسيس دولة داخل دولة، حاولوا ذلك سابقاً قبل الانقلاب، وتحولوا لاستخدام القوة والسيطرة على المناطق في فبراير 2011، وحينما رأوا بأنهم يناطحون دولة بمخلصيها وأشقائها وأصدقائها عادوا للتخطيط بالأسلوب الدبلوماسي وبطريقة «الاندساس» و»التغلغل».
حتى لو عدلت الدوائر، هل ستعدل بحسب قياسهم؟! لن يحصل هذا.
حتى لو عدلت الدوائر، هل ستتم مع إلغاء مجلس الشورى حسب طلبهم؟! لن يحصل هذا.
حتى لو عدلت الدوائر ودخلوا البرلمان، هل سترضى عنهم جماهيرهم، هل سيغفرون لكم التحشيد والتأجيج ضد الدولة وزهق دماء أبنائهم في المواجهات الموجهة مع الأمن؟! لا نظن.
فقط مطلب «تعديل الدوائر» والقبول به، كفيل ليثبت بمن ظن أنها «ثورة» وأن جنة المرشد الأعلى الإيراني ستقوم قائمتها على أرض البحرين، كفيل بإثبات أن الوفاق لعبتها في اتجاهين، الأول في اتجاه «التكسب» على ظهور الناس، وحينما رأته طريقاً مسدودا، اتجهت للاتجاه الآخر، أي في اتجاه مغازلة الدولة في الخفاء ومعاداتها في العلن، وأثمن أقل «فتات» غنائم النضال الشعبي، حسب مفهومها.
ليس مأسوف أبداً على جمعية مثل الوفاق تلعب بأسلوب «ماكر»، لكن الأسف على من مازال يصدقهم ويؤمن بأن هم الناس هو همهم. الكراسي هي فقط ما تهمهم.