لو سألت أحداً من قادة «المعارضة» أو جمهورها لماذا لا تقدمون على خطوات إيجابية تشجع الحكومة على الرد عليها بخطوات مماثلة وتتيقن أنكم عازمون بالفعل على إغلاق ملف التوتر وإنهاء هذا الوضع المعلق الذي صارت فيه البلاد ووصل أذاه إلى الجميع، لقالوا لك ببرود لماذا لا تقدم الحكومة على خطوات إيجابية يستدل منها على أنها تريد أن تغلق ذلك الملف وتنهي ذلك الوضع؟
السؤال صحيح والجواب لا يخلو من صحة، هذه إشكالية تحتاج إلى من يوجد لها حلاً، من يبدأ الخطوة الأولى، المعارضة أم الحكومة؟
لو سألت الحكومة عن الخطوات التي ينبغي أن تقدم عليها «المعارضة» كي تفهم منها أنها تريد وضع النقطة في نهاية السطر لقالت إن عليها أن تتوقف عن ممارسة أعمال الفوضى والتخريب واختطاف الشوارع، والتوقف عن إرهاب المواطنين والمقيمين وعن الخروج في مسيرات ومظاهرات غير مرخصة وإلقاء زجاجات المولوتوف على رجال الأمن، والتوقف عن توجيه الشتائم والتصريحات غير المسؤولة عبر وسائل الإعلام الخارجية المستفيدة من هكذا وضع والمصرة على استمراره.
ولو سألت «المعارضة» عن الخطوات التي ينبغي على الحكومة أن تقدم عليها كي تفهم منها أنها تريد وضع النقطة في نهاية السطر لقالت إن على الحكومة أن تطلق سراح المسجونين والموقوفين فوراً، وأن تخلي الشوارع من رجال الأمن، فلا تتعامل مع أي مظاهرة أو مسيرة مهما حصل فيها من سلوكيات تؤثر على الأمن، وأن توافق على كل المطالب التي رفعتها «المعارضة» وعلى كل مطلب جديد ترفعه.
منطقاً ينبغي على الحكومة أن تبادر بعمل ما يشجع «المعارضة» على القيام بخطوات إيجابية، فالحكومة هي الأب وهي الأم اللذان عليهما استيعاب ما يقوم به الأبناء ورعايتهم وتشجيعهم على تعديل سلوكهم واحتضانهم وتطييب خاطرهم، ومنطقاً أيضاً ينبغي على «المعارضة» أن تبادر بعمل ما يشجع الحكومة على القيام بخطوات إيجابية، فالأبناء عليهم أن يسترضوا الوالدين وأن يثبتوا أنهم عازمون على تعديل سلوكهم كي يكافئهم الوالدان على فعلهم الطيب ويبادلانهم حباً بحب.
لن يعدم الطرفان -الحكومة والمعارضة- الحجج ليقول كل منهما أن على الآخر أن يبدأ ويثبت أنه يريد إغلاق الملف ووضع النقطة في نهاية السطر ليبدأ الجميع الصفحة الجديدة، فلدى كل طرف ما يكفي من الحجج والبراهين والمنطق.
لو سألت «المعارضة» عن السبب وراء استمرار المشكلة وعدم التوصل حتى الآن إلى نهاية لها لقالت على الفور إنها الحكومة، ولو سألت الحكومة السؤال نفسه لقالت لك على الفور أيضاً إنها «المعارضة».
مثل هذه الحال لا يمكن الوصول معها إلى نهاية، فكيف بنهاية ترضي الجميع؟ خصوصاً وأن حوار التوافق الوطني قد توقف حتى لم نعد نسمع كلمة حوار، تماماً مثلما لم نعد نسمع عن تحركات في الخفاء تجري بين ممثلين للأطراف ذات العلاقة تشيع التسريبات عنها شيئاً من التفاؤل وقليلاً من الأمل.
في هكذا أحوال لا يمكن أن نصل إلى أي مفيد، وهذا يعني أننا نترك أبوابنا مشرعة لكل من لا يريد لنا الخير، فإذا أضيف إلى كل هذا ما يجري في المنطقة من تغيرات وتحولات وتطورات متلاحقة متسارعة ومقلقة فإن هذا يعني أننا سنواجه بعد قليل أياماً صعبة نتحسر فيها على كل الفرص التي أضعناها ساعة اليسر ولم نستفد منها.
لنترك كل شيء جانباً ونتفكر في مستقبل هذا الوطن الذي سيضيع بسبب العناد الذي تريد «المعارضة» أن يكون عنوانها كي تقول إنها موجودة وإنها يجب أن تكون متساوية مع الحكومة في إدارة البلاد، وتريد الحكومة أن تقول إن «المعارضة» ليست مؤهلة بعد لمثل هذه المشاركة.